في العام الماضي، تسبّبت جائحة كورونا، التي كانت مستجدّةً في فرنسا مطلع آذار/ مارس 2020، بتأخير فعاليات برنامج "أيام التاريخ" الذي ينظّمه بشكل سنوي "معهد العالم العربي" في باريس. وحده اليوم الافتتاحي للبرنامج عُقِدَ في موعده، في الأوّل من آذار/ مارس، في حين جرى تأجيل الفعاليات التي كانت مقرّرة في حزيران/ يونيو إلى الخريف.
وكان الموضوع الذي دارت حوله النسخة السابقة من المهرجان ("الانتفاضات والثورات") فرصةً مناسبة للوقوف على أحوال البلاد العربية المنتفضة، حيث شهِد اليوم الافتتاحي طاولات مستديرة ولقاءات حول "الانتفاضة الفلسطينية اليوم" وحول النهضة العربية، وحول الثورات والثورات المضادة عربياً، إضافة إلى فعالياتٍ أخرى توقّفت لدى صور المقاومة الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي ولدى الثورات خلال العهد العثماني.
هذا العام، اختار المعهد ثيمة "العرب والعالم" موضوعاً لدورة "أيام التاريخ" الجديدة، التي انطلقت أمس الأحد وتُستكمَل في العشرين من حزيران/ يونيو الجاري وفي الخامس من كانون الأول/ ديسمبر المقبل. لكنّ المتابع لبرنامج الفعالية يُلاحظ أن مضمونه يبدو أقلّ راهنيةً من ذاك الذي احتوته نسخة العام الماضي. فعلى سبيل المثال، تأتي هذه الدورة بعد أيّامٍ من حراكٍ فلسطيني جديد ردّاً على الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، لكنّ برنامجها لا يخصّص أيّة جلسة لهذا الحراك، ولا للانتفاضات والاحتجاجات التي تعرفها بلدان عربية مثل الجزائر والسودان.
تحضر فلسطين، وكذلك الجزائر، في فعاليات "أيام التاريخ"، لكنْ تحت زاوية أخرى، هي زاوية المنفى والهجرة، حيث عُقدت ظهر أمس طاولةٌ مستديرة حول أوضاع الفلسطينيين والجزائريين المقيمين خارج بلادهم، مع تساؤل عن دورهم وعلاقتهم ببُلدانهم. وشارك في هذه الجلسة، التي بُثَّت عبر "فيسبوك"، كلّ من الباحثة في العلوم السياسية فريدة سويح، والباحثة في الجغرافية فاني كريستو، ومديرة مجلّة "هيرودوت" المختصّة بالتاريخ، بياتريس غيبلان.
اشتملت فعاليات الأمس على تقديم عددٍ من المؤلّفات الجديدة، مثل كتاب "قاربُ تدمر: عندما كانت العوالم القديمة تجتمع" (منشورات "تالاندييه"، 2021) للأكاديمي المختصّ بالتاريخ القديم، موريس سارتر. وتناول الباحث في مداخلته التنقّلات والالتقاء الثقافي في حضارات تجاورت حول محيط المتوسّط، في العالم العربي وأفريقيا وأوروبا، مستنداً إلى أرشيفات وحفريات أركيولوجية ورُقُم.
أمّا فعاليات اليوم الثاني من البرنامج، المقامة في العشرين من الشهر الجاري، فتتركّز حول مسائل السفر واللغة والعلاقة بالآخر، كما ستُعرِّج على إضافة الفلسفة العربية للمدوّنة الكونية عبر محاضرة ستقدّمها المختصّة بالفلسفة العربية بولين كوتشيه، إضافة إلى جلسات أخرى، من بينها طاولة مستديرة بعنوان "أن تكون عربياً في السياق الكولونيالي"، يقدّمها كلّ من الباحثة التونسية الفرنسية ليلى الدخلي، والباحثين جولييت أونفو وأوغوستان جومييه.