يُمثّل أدب الروائي التشيكي ميلان كونديرا (1929) نوعاً تمتزجُ فيه السخرية السوداء بالتلميح والاستعارات، سخرية من كلّ ما هو ثقيل وبالأخص إذا تجسّد هذا الثقل بما هو سياسي وتحوّل إلى ديكتاتورية. وفي هذا السياق صدرت روايته "المزحة" في ستينيات القرن الماضي، عند لحظة حرجة من تاريخ بلاده قبيل أن تجتاحَها القوات السوفييتية مُنهيةً ما أُطلق عليه "ربيع براغ" عام 1968.
بعد ذلك بشهور قدّم المخرج ياروميل ييريش (1935) طبعة سينمائية عن الرواية، حيثُ عمل على تحويل قصّتها إلى فيلم، مُضفياً على "المزحة" بُعداً بصرياً، وهي النص الأوّل لكونديرا الذي تحتضنه السينما. اليوم، وبعد أربعة وخمسين عاماً، عادَ الفيلم ليُعرضَ من جديد إنّما بنسخة مُرمَّمة بإشراف من "الأرشيف الوطني السينمائي التشيكي"، وذلك ضمن فعاليات الدورة 56 من "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي" الذي انطلق أوّل هذا الشهر، ويُختَتم مساء اليوم في التشيك.
سرعانَ ما حقّقت الرواية بعد نشرها عام 1967 نجاحاً لافتاً، إلّا أنّ الأمر لم يَطُل كثيراً، إذ انقلبَ الأمر مع وصول السوفييت إلى السلطة، وتحوّل كونديرا إلى كاتب غير مُرحّب به لأنّه سخر في كتاباته من الأنظمة الشمولية، فاضطر لاحقاً إلى العيش في باريس بدايةً من عام 1975.
في الفيلم كما في الرواية، تتكثّف عناصر الهجاء السياسي والاجتماعي، فمن خلال "لودفيك" بطل الحكاية، والمصير الذي لاقاه نتيجة رسالة كتبها إلى حبيبته "ماركيتا"، نكتشفُ عمق الأزمة التي مثّلتها الشمولية بنسختها الستالينية في ذلك الوقت، والتي انعكست على حياة الأفراد العاديين الذي تحوّلوا إلى مصدر قلق للسلطات.
تجمع الكثير من التقاطعات بين المخرج ييريش والكاتب كونديرا، فكلاهما ينتمي إلى جيل الستينيات الذي حلمَ بالتغيير والديمقراطية قبل أن يصطدم بجدار الواقع القاسي. لكن أبرز القواسم بينهما كان المَنع والحظر؛ فكما اعتُبرت الرواية مسيئة، صُودرَ الفيلم ولم يُسمَح بعرضِه إلّا بعد عام 1990.