خلقت الحرب الأهلية اللبنانية، التي امتدت من 1975 إلى 1990، متناً روائياً اشتغل عليه روائيون كُثُر. فالمأساة التي حلّت بالبلد وما صاحبَها من دمار وفَقدٍ على المستوى الإنساني، تُرجمَت أدباً يبوح بالكثير من السِّيَر والحكايات، كما تحوّل تاريخُ وجغرافيا لبنان ومُدنه إلى مسرح أحداث تتحرّك فيه أطياف الذكريات.
"بيت بلا جذور" عنوان رواية الكاتبة الفرنسية من أصول مصرية أندريه شديد (1920 - 2011)، والتي صدرت ترجمتها العربية مؤخّراً عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون" في الكويت، بتوقيع المُترجِم نجيب مبارك ومراجعة منتجب صقر، ضمن سلسلة "إبداعات عالمية".
كُتبت الرواية بدايةً بالفرنسية ونُشرت في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، في ذلك الحين كانت الحرب ما زالت قائمة. وصحيح أنّ شديد وُلِدت في القاهرة وقضت أغلب حياتها في فرنسا، إلّا أنّ التفاتتها للكتابة عن لبنان جاءت بحُكم أنّ أصولَ عائلتها ترجعُ إلى هذا البلد.
تحتملُ الرواية الكثير من التفاصيل، ولكنّ صاحبتها أرادت أن تُقيمَ مقارنةً بينَ عالمين يشغلُ كلّ منهما فترةً زمنية نقيضة عن الآخر. ومن هنا فإنّ الأحداث تدور على مستويين: الأوّل عام 1932 والثاني عام 1975، إنّه التوازي ما بين الراهن المأساوي والانجذاب أو الحنين إلى الماضي.
تنحو الرواية بفضائها الزمني الواسع إلى التأسيس لذاتها بوصفها "رواية أجيال"، بما تتضمّنه هذه الكلمة من اختلاف في الرؤى والوعي ونمط الحياة وأدوات التفكير. وهذه الاختلافات هي ما يؤطّر طريقة تناول الروائية لمواضيع مثل الحرب. ففي بيروت تلتقي "سيبيل"، الطفلة التي تعيش في الولايات المتحدة، بجدّتها "كاليا" المقيمة في باريس. ولكن الحرب تضع حدّاً لهذا اللقاء عندما تُقتل الطفلة برصاصة.
كما تتناول موضوعات أُخرى مثل الدين والتمرّد والعلاقة بالآخر، وكلّ ما سبق على صلةٍ وثيقة بسردية الحرب الأهلية اللبنانية وما طبعت به الأدب والحياة معاً في هذا البلد.
وفي مسيرة شديد الأدبيّة شكّلت "بيت بلا جذور" دلالة قوية على جدّية مشروعها الروائي الذي ضمّ قرابة تسع عشرة رواية من أبرزها: "الرماد المُعتّق" (1952)، و"اليوم السادس" (1960)، و"الآخر" (1969)، و"درجات الرمل" (1981). كما كان لها إسهامات في الشعر أيضاً؛ حيثُ وقّعت مجموعتها الأولى عام 1949 وحملت عنوان "نصوص من أجل وجه"، ثمّ أصدرت أكثر من عشر مجموعات، إلى جانب ما ألّفته في القصّة القصيرة والمسرح.