لطالما استعاد الأدبُ والفنّ ملامحَ بيروت ما قبل الحرب الأهلية التي اندلعت منتصف السبعينيات؛ صورة عن واقع لم يعد موجوداً، حيث السجالات الفكرية والثقافية التي رافقت ازدهار الصحافة ودور النشر والمسرح، ومناخات الحرّية السياسية التي لم تعرفها عواصم عربية أخرى في تلك المرحلة.
حنينٌ يغلّف تلك الاستعادات، بنزوعٍ نحو حالة مثالية لا تبدو متطابقة تماماً مع أحداث يختلف كثيرون حول روايتها ــ بحسب انحيازهم السياسي حينها ــ لكنّها تظلّ جديرةً بالتخييل والمراجعات، كما في معرض "بيروت والستينيات الذهبية: مانيفيستو هشاشة" الذي افتُتح في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في "غاليري مارتن غروبيوس باو" ببرلين، ويتواصل حتى الثاني عشر من حزيران/ يونيو المقبل.
يتتبع المعرض كوسموبوليتية العاصمة اللبنانية في أجواء كانت مشبعة في تسييسها، ضمن ما شهدته من صراعات واستقطابات إقليمية آنذاك، ما انعكس على المشهد التشكيلي اللبناني، الذي عبّر عن مزيج غير متجانس عبر أعمال فنانين لبنانيين وعرب.
يؤكّد المعرض على الترابط بين الفنّ والمناخات السياسية
يُعرض أكثر من مئتين وعشرين عملاً لخمسة وثلاثين فناناً، وحوالي مئتي وثيقة أرشيفية، في محاولة لبناء "التاريخ من منظور معاصر، مع التأكيد على الترابط بين الفن والنزاعات الاجتماعية السياسية، الحالية والماضية"، بحسب بيان المنظّمين.
يضيء قيّما المعرض، سام بردويل وتيل فيلراث، على لحظة التفاعل الذي مزجت بين نتاجات تشكيليين أتوا من مختلف البلدان العربية إلى لبنان، وبين نتاجات فنانيها، حيث برزت العديد من الغاليريهات الجديدة والمساحات الفنية المستقّلة واننتعشت المتاحف خلال ما يقارب الثلاثة عقود، لكنّ المشهد كان مليئاً بالثغرات والتناقضات في الأفكار والتوجّهات، والتي انفجرت في نهاية المطاف باقتتالٍ داخليّ دام خمسة عشر عاماً.
يُعرض أحد أعمال الفنان اللبناني عارف الريّس (1928 - 2005) الذي تحتشد فيه الجموع ووجها ذئب وبومة ضمن لغة تشكيلية تستعير عناصر الملصق لسياسي، إلى جانب عمل تجريدي لمواطنه شفيق عبّود (1926 - 2004) يشكّل معادلاً بصرياً للمدينة التي سكنها معظم فترات حياته، حيت يتجاور العمران بألوان زاهية متعدّدة.
ويشتمل المعرض على عمل للفنان اللبناني الفلسطيني بول غيراغوسيان (1926 - 1993) تظهر فيه مجموعة من القمصان المتجاورة التي تكرّرت في العديد من لوحاته، ضمن مقارباته لمواضيع الذات والعائلة والألم والمنفى وحركة الشارع والعمّال، إلى جانب عمل لخليل زغيب (1911 - 1975) تظهر فيها نساء ريفيات وأطفالهنّ أمام بيوت قديمة تزيّنها الأعلام في أحد الأعياد.
كما تُعرض أعمالٌ للفنانين السوريين فاتح المدرس (1922 - 1999) وسيمون فتّال (1942)، والعراقيين هاشم سمرجي (1937) وضياء العزاوي (1939) ومهدي مطشر (1943)، والنحّاتة الأردنية منى السعودي (1945 - 2022)، والفلسطينية جوليانا سيرافيم (1934 - 2005)، والفرنسي سيمون بالتاكسي مارتيان (1925 - 2009)، والمصري محمود سعيد (1897 - 1964).
ومن لبنان، تُعرض لوحات إيتيل عدنان (1925 - 2021)، والأشقّاء ميشال بصبوص (1921-1981) وألفريد بصبوص (1924 - 2006) وجوزيف بصبوص (1929)، وهوغيت كالان (1931 - 2019)، وأسادور بزديكيان (1943)، وسلوى روضة شقير (1916 - 2017)، ورفيق شرف (1932 - 2003)، ، وجميل ملاعب (1948)، وخليل جريج خليل (1969)، وغيرهم.