في الثقافة العربية، يُذكر الفنان السويسري بول كلي (1879 - 1940) من زاوية مساهمته في تحديث الفن، وربط هذه المساهمة بزيارته إلى تونس وقد ذكر في أحد دفاتره أنه قد أعاد اكتشاف الضوء فيها. تمثّل تلك المحطة، ما بات يُعرف في أدبيات تاريخ الفن بـ"رحلة تونس"، اعترافاً نادرًا من الفن الغربي بما هو خارج المركز الأوروبي، ولكن ذلك ليس سوى جانب من محاولة كلي الانفتاح على كل ما حوله.
ذلك ما يضيئه كتابٌ جماعي بعنوان "بول كلي: بين العوالم" الذي صدر منذ أيام عن منشورات "فلاماريون" حيث يبيّن المشاركون فيه تنوّع مصادر فن الرسّام السويسري، من الفولكلور المحلي، والذي يمثّل هامشاً للمدن الأوروبية الكبرى، إلى فهم أصالة المساهمة البصرية لكثير من ثقافات العالم.
يأتي هذا الإصدار تمهيداً لمعرض يحمل نفس العنوان سيقام بداية من 19 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في "متحف لام" في مدينة ليل، أقصى شمال فرنسا، وهو بحسب بيان منظّميه "محاولة في إعادة اكتشاف فن بول كلي من خلال اكتشاف ما وراء الإحالات والإشارات والرموز التي تظهر في لوحاته".
يرسم كتاب "بول كلي: بين العوالم" ثلاثة محاور كبرى لمصادر الفنان السويسري، أوّلها الطفولة باعتبارها هي الأخرى هامشاً لا يُستعاد إلا بالفن بأشكاله البصرية أو اللغوية، وثانيها الجنون أو الانزياح عن النزعة العقلانية السائدة، وآخرها ما يمكن تسميته بإلهامات الآخر، وضمنها تقع عوالم الرحلة والعودة للتراث الميثولوجي وغير ذلك.
يرى المساهمون في الكتاب أن نزعة الذهاب إلى هذه المصادر هي محرّك تحديث الفن وتجديد مفرداته، ويقارنون هنا كلي بتجربة بيكاسو حين ذهب هو الآخر إلى مصادر روحانية أو بدائية لبناء نظرية لفن حديث يقطع مع تاريخ الفن في مجمله.