بعنوان "حياة الآخرين"، يُفتتح اليوم الجمعة معرضٌ فردي للتشكيلي السّوري غيلان الصّفدي في غاليري "آرت أون 56" بحيّ الجمّيزة في بيروت، وذلك بعد أن جرى تأجيله في نيسان/ أبريل الماضي بسبب إجراءات الوقاية من فيروس كورونا. ويضمُّ المعرض عدداً اللّوحات التي عمل عليها الصّفدي (1977) على مدى ثلاث سنوات ، وتتنوّع بين 13 لوحة من القياس الكبير، و8 لوحات أخرى بين منمنمات ودراسات ورقيّة واسكيتشات لونيّة رغب الفنّان في بسْطِها أمام المُتفرّجين.
في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، تقول نُها محرّم، القيّمة على "غاليري آرت أون 56": "نحنُ أمام أعمال عمل عليها الصّفدي خلال سنوات ثلاث من الاشتغال، وكنت قد تابعتُه طوال هذه المدّة كقيّمة. نقدِّمها اليوم في ظلّ ما يعيشه لبنان من أزمات ومقاساة، حيث نقاتل باللّحم الحيّ. ببساطة إنّ هذا الاحتفاء بتجربة الصّفدي ليس جديداً، إنّما فرصة لتسليط الضّوء من مكان مغاير على مشاهدة اللوحة".
وبالفعل، فالمعرض، المستمرّ حتى نهاية الشهر الجاري، يشبه احتفاءً كرنفالياً أو مشهداً من حياة أكثر لَوناً. لا تحمل لوحات الفنان عناوين محدّدة خاصة بها، لكنّ كلّ واحدة منها تتمحور حول شخصيّة أساسية، مُحاطة بفريق معاون لها يؤدّي وظيفته في تشكيل المشهد. تبدأ الفكرة من لوحة أساسُها "الفراشة" وتتتالى لاحقاً في مشاهد وشخصيّات رئيسة، منها: الملك والحاشية، الفتاة العارية الطائرة، فان غون وغيلان، النحّات والتمثال، وغيرها من المَحاور المشكِّلة نواةَ كلّ لوحة.
يمكنُ للمشاهد والمتتبّع لأعمال الصّفدي أن يُبصرَ تغيّراً في تركيبة اللّوحة؛ فبعد اشتغال ما يقارب سّت سنوات على التشخيص والتفصيل في العمل الفني، يدخل الفنان في مرحلة جديدة أساسها تصفية الحسابات، متنقّلاً بين التجريد والمساحات اللونيّةمعوّلاً على اللّون الذي كان قد غاب بالكامل عن معرضيه الأخيرين.
يقول الصّفدي في حديثه إلى "العربي الجديد": "تجربة الحجر المنزلي كانت فرصةً للاختلاء بنفسي والإحساس بنهاية الأشياء. كلّ لوحة كان يمكن أن تكون لوحتي الأخيرة. مع ذلك بقيت أرسم. أظنّها كانت فترة غزيرة في الإنتاج ومتنوّعة بين الأبيض والأسود والملوّن". ويضيف: "المشاهدون تعوّدوا على تجربتي بالأبيض والأسود، والآن أنا أمام مشهد مختلف. هذه الفترة سمحت لي بأن أتوقّف قليلاً عند اللّون، بأن أبحث عن السّعادة في اللّون، وبأن أُنشئ عالماً لونيّاً".
مثل معارضه السابقة، يحمل "حياة الآخرين" بصمة غيلان الصّفدي المتمثّلة ببورتريهات شخصيّة مفعمة بالكآبة والطقوس الكارثيّة، ومتنوّعة أيضاً بين وجوه بائسة ووجوه حائرة محايدة لا أثر فيها لقولٍ أو موقف. تُضاف إلى هذا تلكَ الهالة من الحشود البشرية المختلفة والمؤتلفة في آن. والأغلب أن شخصياته مَصادرُها من الواقع المعاش ومن مشاهدات يوميّة في مكان إقامته في بيروت، ولمواكبته للمأساة السورية المستمرّة.