إذا كان التنوّع والتسامح الديني يمرّ بمحنةٍ، في أيامنا هذه، بالهند، في ظلّ حُكم ناريندرا مودي القومي والمنغلق، فإنّ الأمر لم يكن دائماً على هذا الحال في بلد لطالما عُرف بفسيفسائه الدينية، والتي تشمل، إلى جانب الأغلبية الهندوسية، ديانات أُخرى مثل الإسلام والمسيحية والسيخية والبوذية وغيرها.
وإذا كانت الاختلافات الثقافية بين تابعي هذه الأديان معروفةً بشكل عام، فإن التقارُبات، ولا سيّما الفنّية، ما تزال أقلّ ذيوعاً، في عالم يركّز على ما يفرّق أكثر ممّا يجمع.
"لقاءات روحانية: الصوفيون والملوك واليوغيّون في المنمنمات الهندية" عنوان معرض يستضيفه "متحف بيرغامون" في برلين منذ السادس عشر من أيلول/ سبتمبر الماضي، ويستمرّ حتى الرابع من كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
يسلّط المعرض الضوء على التقاليد الروحانية في شبه القارّة الهندية، إن كان في الإسلام (المتصوّفة) أو في الهندوسية والبوذية (اليوغيون، أي ممارسو اليوغا)، وذلك من خلال أعمال تمتدّ من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر.
وإضافة إلى تسليطه الضوء على تنوّع هذه الممارسات، فإن المعرض يكشف أيضاً ــ من خلال اللوحات والتعليقات عليها ــ عن مكانة الزاهدين المهمّة في المجتمع الهندي، والسلطة الاجتماعية التي كانوا (وما زالوا) يتمتّعون بها، حيث كانوا أداة وصل بين الملوك والسلاطين وعامّة الشعب، ما جعل كثيراً من المسؤولين السياسيين في شبه القارة الهندية يستعينون بهم لتثبيت حُكهم.
تُشير اللوحات المعروضة إلى التقارُب أيضاً في الأساليب الفنّية بين الرسّامين الذين وضعوا أعمالهم في قصور الملوك الهندوسيين أو في بلاطات السلاطين المسلمين (جنوب شرق البلاد)، حيث تأثّرت المدرستان بفنّ المنمنمة الفارسي والعربي، إن كان لناحية التكوين أو لناحية البُعد الزخرفي للمنمنمات.
كما يضيء على التأثير المتبادل بين هذه الممارسات التي غالباً ما كانت تدور في حلقات جماعية، إن كان في الإسلام أو الهندوسية، ولا تغيب عنها، في الحالتين، عناصر الطبيعة، والآلات الموسيقية، والحيوانات.