يحاذي "متحف باردو" في تونس العاصمة مبنى البرلمان، وقد كان كلاهما جزءاً من نفس القصر الذي كان يقطنه الملوك الحسينيون الذي حكموا تونس لقرابة قرنين ونصف القرن، وانتهت دولتهم بعيد إعلان استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي.
تفرض هذه المحاذاة تأثيراً بين المبنيين، ولما عرفت تونس في 25 تموز / يوليو الماضي قراراً رئاسياً بتجميد البرلمان، لم يتصوّر أحد أن ذلك قد يكون سبباً في "تجميد" المتحف أيضاً.
أما الأغرب فهو عدم تفطّن معظم النخب لهذا الإغلاق، حتى نشر أحد الناشطين الثقافيين، أبو بكر بن فرج، تدوينة على صفحته في فيسبوك يشير فيها إلى هذه المظلمة في حق تاريخ البلاد. كتب بن فرج (بالفرنسيية): "الإغلاق الكامل لمتحف باردو منذ 25 تموز / يوليو، تبعاً لتجميد أنشطة مجلس نواب الشعب الذي يجاوره يعد انحرافاً خطيراً. إنه قرار أحادي، عشوائي، سياسي الطابع أو أمني لا يمكن تبريره".
لعلّ ما حدث يشير إلى نوع العلاقة التي تربط اليوم مواقع القرار في تونس بمؤسسات الدولة، ومنها المتاحف بما تكتنزه من رمزيات، وكأنها مجرّد هامشٍ لا أهمية له. لكن هل يمكن إيصال مثل هذا الطرح إلى عقول أصحاب القرار؟
ليس الإغلاق اليوم غير مواصلة لحالة التهميش التي يعيشها المتحف
وعينا ألا ننسى أن الإغلاق الذي يعيشه "متحف باردو"، وهو أهم مؤسسة متحفية في تونس، ليس إلا تواصلاً لمنطق تهميشي يعيشه المتحف، حيث يفتقر إلى الإشعاع، ويبدو في الغالب وكأنه يقدّم خطاباً موجّهاً للسيّاح وليس لأبناء البلد، ولذلك فإن إغلاقه مرّ دون أثر يذكر.
من الوجيه، أيضاً، أن نتوقّف عند فرضية أن يكون الإغلاق قد أتى ضمن ترتيبات أمنية، وطالما عرفت تونس أولوية المسألة الأمنية على حساب كل قطاعات الحياة الأخرى من الاقتصاد إلى الثقافة. حدث ذلك في الزمن الديكتاتوري حين كان كل شيء يمرّ بمقدار ما تريده السلطة، كما أعيد إنتاج ذلك في صيغة جديدة مع ظهور قانون الإرهاب وحالة الطوارئ التي جعلت من الخيارات الأمنية تخترق كل القرارات العمومية.
ما يغيب عن هذا العقل الأمني هو أن توقّف متحف باردو يعني إسقاط الشاشة التي يفترض أن تعرض ذاكرة البلاد، ومن المعروف أن هذا المتحف يمثّل أحد أكثر المواقع زيارة من قبل السيّاح باعتبار أنه الوحيد الذي يقدّم تاريخ تونس في سردية واحدة من عصورها القديمة؛ الفينيقية والرومانية، إلى العصور الإسلامية.
تقلّبات السياسة في تونس السنوات الأخيرة باتت تدعو إلى فصل التجاذبات والسير العادي لدواليب الحياة اليومية، ومنها المؤسسات الثقافية. ولعلّه والأمر كذلك بات من المهم أن يجري التفكير في إيجاد موقع آخر للمتحف الوطني. وإن كان من الأولى نقل البرلمان من مقرّه الحالي (وهو مبنى أثري) وليس المتحف، كي لا تعطّل تقلّبات السياسة ذاكرة البلاد.