في آذار/ مارس 2015، جرى الإعلان عن مشروع إقامة عاصمة إدارية جديدة في مصر. ومع كل ذكرى سنوية، يُستعاد هذا المشروع بنغمة احتفائية تظهر بشكل خاص في خطاب البيئة الثقافية، من الدوائر الرسمية إلى الإعلام.
في هذا السياق، تحدّثت أخيراً وزيرة الثقافة المصرية، إيناس عبد الدايم، عن مشروع "مدينة الفنون والثقافة" باعتبارها من أهم معالم "العاصمة الإدارية الجديدة"، وقد أشارت إلى أنها ستكون "أكبر مدينة فنية وثقافية في الشرق الأوسط"، وأنها تشرف بنفسها على تطوّر أشغال بنائها التي ستكون "وفقاً لأعلى المواصفات العالمية وأرقى التصميمات المعمارية"، بحسب توصيفها.
يدخل خطاب الوزيرة المصرية ضمن شكلين من الدعاية، الأول موجّه إلى المجتمع الدولي، عبر الإشارة إلى ضخامة المشروع وإشعاعه إقليمياً، والثاني موجّه إلى الداخل، عبر الترويج إلى اهتمام النظام المصريّ بالثقافة. لكنّنا لا نلمس في خطاب الوزيرة أيّ ربطٍ بين مشروع بهذا الحجم والأثر الإيجابي الذي يمكن أن ينعكس على الحياة الثقافية، فمن المعلوم أنّ البناءات الضخمة لا تكفي لتنشيط الحياة الثقافية، حتى لو كان برنامج المؤسسات الجديدة ممتلئاً إلى آخره.
البناءات الضخمة لا تكفي وحدها لتنشيط الحياة الثقافية
يمكن هنا أن نستحضر تجربة تونسية مماثلة، حين جرى افتتاح "مدينة الثقافة" عام 2018، بعد أكثر من عشر سنوات من البدء في أعمال بنائها. وقد ساد اعتقادٌ، في ذلك الوقت، بأنّ البنية التحتية التي توفّرها هذه المدينة لقطاعات مثل المسرح والفنون التشكيلية ستخلق نقلة نوعية في الأداء الثقافي. غير أنّ الأمور لم تجر على هذا النحو، حيث بقيت "مدينة الثقافة" معزولةً في فضاء تونس العاصمة وقلّما اندمجت في حياتها اليومية وضمن المسارات الطبيعية لسكّان المدينة. وأخطر من ذلك أنّها كرّست مركزيةَ العاصمة على حساب مدن أخرى، حيث عمّقت الفجوة في عدد الفضاءات المؤهّلة للعروض.
يبدو المشروع المصري أكثر ضخامةً من ذاك التونسيّ، حيث يُقام على مساحة تناهز نصف كيلومتر مربّع، ومن المخطّط له أن يضم شبكةً من المتاحف والمسارح وقاعات السينما والعروض الموسيقية والغاليريهات، بينما سيكون أكبر هذه المنشآت قاعة احتفالات كبرى بـ 2500 مقعد، إضافة إلى مشروع مكتبة ذات رصيد قريب من رصيد "مكتبة الإسكندرية"، كما وضعت تصوّرات لأكاديميات فنون مختلفة.
كما أنّ عرض افتتاح المشروع قد جرى الإعلان عنه في وقت سابق، إذ سيحمل عنوان "أوبرا طيبة". ولا يخفى التلميح، هنا، إلى "أوبرا عايدة" للموسيقار الإيطالي جيوزيبي فيردي، وإن كانت الأوبرا الجديدة مستوحاة من رواية "كفاح طيبة" لـ نجيب محفوظ.
هكذا فإن كلّ ما يُمكن أن يخرج به متابعُ ملفّ "مدينة الفنون والثقافة" في "العاصمة الإدارية الجديدة" هو مجموعة عناوين كبيرة وأرقام أكبر، ولكن لا أحد يدري كيف سيجري تحقيق كل ذلك على أرض الواقع.