في السنوات الأخيرة، احتضنت مدينة وجدة، شرق المغرب، سلسلةً مِن الفعاليات الثقافية التي حاول منظّموها إلقاء حجر في بركة المياه الراكدة في المدينة البعيدة عن "المركز"؛ مِن ذلك "عاصمة الثقافة العربية" التي أُقيمت فيها بين نيسان/ إبريل 2018 وآذار/ مارس 2019، و"معرض الكتاب المغاربي" الذي انطلق في 2017 وأُقيمت منه ثلاث دوراتٌ متتالياتٍ قبل أن تُؤجَّل دورتُه الرابعة، التي كانت مقرَّرةً نهاية العام الماضي، بسبب وباء كورونا المستجِدّ.
في 2019، شهدت المدينةُ أيضاً، إقامة الدورة الأولى مِن "معرض الكتاب المستعمَل" الذي نظّمته "جمعية روّاد التغيير للتنمية والثقافة"، وهي جمعية محلّيةٌ تَقول إنّها تعمل مِن أجل جعل الشأن الثقافي "محوراً أساسياً في بناء مجتمع حداثي". وقبل تأسيسها بشكلٍ قانوني عام 2014، كانت الجمعيةُ مبادرةً تنشط في مجالِ تشجيع القراءة تحت اسم "لنجعل مِن القراءة طقساً يومياً".
استقطبت الدورة الأولى مِن المعرض، الذي كان التظاهرةَ الأولى مِن نوعها في "العاصمة الشرقية"، أعداداً كبيرةً مِن الزوّار الذين بدا أنّهُم وجدوا فيه نافذةً أُخرى على عالَم الكتاب. غير أنّه، وكغيره مِن الفعاليات الثقافية، سيجدُ نفسه مضطرّاً للغياب في 2020، بسبب الظروف المتعلّقة بالوباء.
لكنَّ موعد الدورة الثانية لم يتأخَّر كثيراً؛ فبعد الدورة الافتتاحية التي أُقيمت في كانون الثاني/ ديسمبر 2019، ها هو المعرض يعود مُجدّداً؛ إذ انطلقت فعاليات الدورة الجديدة، بشكلٍ افتراضي، في العاشر مِن شباط/ فبراير الجاري ويُنتظَر أنْ تختتِم اليوم. ولعلَّ في اختيار هذه الفترة الزمنية إشارةٌ إلى أنَّ دورةً ثالثةً قد تُقام نهاية العام الجاري.
أسّس المرّاكشي سنة 1956 أكبر مكتبة لبيع الكُتب المستعملة في وجدة
تتضمّن الدورة عرض قرابة 500 عنوان في المجالات الأدبية والفكرية والعلمية والدينية والحقوقية والثقافية، إضافةً إلى تنظيم ندواتٍ وجلسات قراءة، ومسابقات في الكتابة الأدبية موجَّهةٍ للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة. ويُخصِّص المعرض، الذي يُقام بالشراكة مع جماعة وجدة ووزارة الثقافة والشباب والرياضة، موقعا إلكترونياً يُتيح إمكانية اقتناء الكُتُب المعروضة ومتابعة البرنامج الثقافي الذي يُبثُ أيضاً على صفحة الجمعية في فيسبوك.
وعلى خلاف معارض الكتب التي عادةً ما تحملُ في بعض دوراتها أسماء كتّاب وباحثين بارزين، كانَ لافتاً في "معرض الكتاب المستعمَل" إطلاق اسم بائع كتبٍ مستعملة يُدعى "المرّاكشي" على دورته الثانية. أمّا اسمُه الحقيقيُّ فهو محمد الرحالي بن الجيلالي، وهو من مواليد 1936 في مدينة فاس (على عكس ما توحي به كنيته)، وقد بدأ بيع الكتب وهو في العشرين من عمره، ثُمَّ أسّس سنة 1956 مكتبةً لبيع الكُتب المستعملة حملت اسمه، وهي الأكبر والأشهر في وجدة، قبل أن تنتهي رحلتُه الطويلة مع الكتاب في دار للمسنّين.