في أوائل القرن الثاني عشر، صُنع في مدينة قرطبة الأندلسية منبر بناء على أوامر آخر أمراء دولة المرابطين علي بن يوسف، ليوضع في المسجد الرئيسي في مدينة مراكش المغربية، حيث حكمت الدولة المرابطية آنذاك المغرب وموريتانيا وشمال السنغال والغرب الجزائري والجنوب الأندلسي.
نُقل المنبر عام 1147 إلى جامع الكتبية في مراكش والذي بناه عبد المؤمن بن علي الكومي، الخليفة الثاني لسلالة الموحدين التي حكمت شمال أفريقيا حوالي مائة وخمسين عاماً، حيث بقي فيه حتى سنة 1962 عندما نُقل إلى متحف "قصر البديع" في المدينة ليعرض أمام الزوّار.
تحت شعار "منبر الكتبية.. ذاكرة وذكرى"، يحتضن قصر البديع مساء الخميس المقبل تظاهرة تضيء على تاريخ المنبر وعملية ترميمه، ضمن برنامج شهر التراث الذي انطلقت فعالياته في الثامن عشر من نيسان/ إبريل الماضي وتتواصل حتى الثامن عشر من الشهر الجاري.
تشتمل التظاهرة التي تنظّمها إدارة القصر (ATEED) على سلسلة من الندوات وعرض فيلم وثائقي حول تاريخ المنبر، الذي لا يُعرف على وجه التحديد متى انتهى الفنانون والحرفيون في قرطبة من تنفيذه، ويتكون من ثمانية أدراج استعملت في صنعه مواد مختلفة من الخشب، منها خشب الأرز، وخشب الصنوبر، والخشب الأسود الأفريقي.
صُنع المنبر مدينة قرطبة الأندلسية منبر بناء على أوامر آخر أمراء دولة المرابطين علي بن يوسف
وصُمّم المنبر فوق عجلات صغيرة، ما يسمح بإخراجه بطريقة ميكانيكية آلية، إلى جانب مقصورة صُنعت خصيصا لهذا الغرض، وتميزت عملية الإخراج والإدخال بدقة وإتقان كبيرين قلُ نظيرهما في ذلك الوقت، بحسب ما تشير المصادر التاريخية، توضّح أن أجزاء منه نُحتت بلوحات تحمل عناصر نباتية وزخرفات ذات طابع أندلسي وعبارات نقشت تمجيداً للسلطان والدولة.
ويأتي الاحتفاء بمنبر الكتبية "بعد مرور عشرين عاماً على ترميمه من قبل أخصائيين من "متحف المتروبوليتان للفنون" في نيويورك وعدد من الصناع التقليديين المغاربة، والذي يعد أقدم منبر مصنوع من الخشب جرت المحافظة عليه في حالة جيدة بالعالم الإسلامي"، بحسب بيان المنظّمين.
استعرقت عملية الترميم حوالي سبعة أشهر بعد إهماله قرابة ثلاثة عفود، ليحتفظ بشكله القديم وارتفاعه البالغ 386 سم؛ وطول 346 سم؛ وعرض 87 سم، وأحيطت الجوانب والمقعد بنقوش كُتبت بأحرف كوفية (نصوص قرآنية وعبارات دينية وثلاثة نصوص عن تأسيس المنبر)، كما استخدمت في تطعيم الجوانب الترصيعات الذهبية والعاجية وزخارف هندسية وعناصر زخرفية من زهور اتخذت شكل شجرات الحياة المتوّجة بقويسات تزين المقعد وواجهات الدرجات، وجرى نحت وترصيع اللوحات الصغيرة المضلعة الخشبية ذات الأشكال المتنوعة، التي تحتشد بها الزخارف الهندسية، بعناصر نباتية وزهرية بدقّة تشابه المنحوتات العاجية الأموية.