في الثلاثين من حزيران/ يونيو الجاري، تمرّ الذكرى السابعة والثمانون لميلاد الكاتبة الجزائرية فاطمة الزهراء إملحاين، المعروفة باسم آسيا جبّار (1936 - 2015)؛ مناسبةٌ استعادتها "المؤسَّسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار" بلقاءٍ نظّمته في "مكتبة شاب دزاير" بالجزائر العاصمة السبت الماضي، بمشاركة عدد من الباحثين والأكاديميّين الذين تطرّقوا، في مداخلاتهم، إلى الجوانب الإبداعية المتعدّدة، بين الأدب والسينما والمسرح والفنّ التشكيلي، في تجربة صاحبة رواية "العطش".
في مداخلتها، قالت الأكاديمية المختصّة في اللسانيات الاجتماعية والأستاذةُ في "مدرسة الفنون الجميلة" بالعاصمة، فاطمة الزهراء مبطوش نجاي، إنّ جبّار أبرزت، في نصوصها، قيمةَ الإنسان في كلّ حالاته، ومنحت الرجال والنساء معاً اللغة التي تليق بهم، ليُظهروا تفوُّقهم في الحياة ويُثبتوا أثرهم فيها، مضيفةً أنّ الكاتبة الراحلة أظهرت قوّة الشخصيات النسائية وقدرتهن على المقاومة خلال الثورة التحريرية وبعدها؛ في نصوص مثل "العطش" (1957) و"القبّرات الساذجات" (1967) و"لا مكان لي في بيت أبي" (2007).
من جهته، اعتبَر الأكاديمي والباحث في التراث الشعبي، عبد الحميد بورايو، أنّ أدب آسيا جبّار عبّر عن جوانب مختلفة من حياتها الخاصّة، إضافةً إلى قضايا تخصّ المجتمع وعلاقته مع الآخر، مثل ما أظهر المكبوتات الجماعية والجوانب النفسية ومراحل التحوّل من المجتمع الريفي إلى المجتمع القروي ثمّ إلى المديني، وكانت في كلّ ذلك "مُخلصةً في التعبير عن معاناة الإنسان التوّاق إلى الحرية والانعتاق". وبحسب بورايو، فإنّ ما يميّز هذه الكتابات هو تجاوُز النمطية وإثارة أسئلة تتطلّب تأمُّلاً والابتعادُ عن الأجوبة الجاهزة.
انطلقت من ثقافتها المحلّية لتسرد جوانب من الذاكرة الجماعية
أمّا الأكاديمي والناقد السينمائي أحمد بجاوي، فتطرّق إلى تجربة جبّار السينمائية، من خلال فيلمَيها "نوبة نساء جبل شنوة" (1977) و"الزردة وأغاني النسيان" (1978)، قائلاً إنّها كانت معجبةً بتجربتَي المُخرجَين السويدي إنغمار برغمان والإيطالي بيير باولو بازوليني، وبقدرتهما على جعل الرواية مساحةً للتصوير السينمائي والمسرحي. انطلقت جبّار، مثل ما يُضيف بجاوي، في أعمالها، من معارفها وثقافتها المحلّية، تحدوها رغبةٌ في سرد جوانب من الذاكرة الجماعية.
وبدورها، قالت الأكاديمية نجاة خدّة إنّ جبّار امتلكت ثقافةً تشكيلية واسعة وقدرة على الغوص في التفاصيل؛ مثل ما تعكسه مجموعتها القصصية "نساء الجزائر في شققهن" (1980)، التي اقترحت فيها حواراً بين النصّ والصورة انطلاقاً من لوحة أوجين ديلاكروا التي تحمل العنوان نفسه.
أمّا الكاتب محمّد بلحي، فتحدّث عن إشكالية ترجمة الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية إلى العربية، بما في ذلك روايات آسيا جبّار التي لم تُترَجم بعدُ. وفي هذا السياق، قال بلحي إنّه يفضّل أن تصل تلك الأعمال إلى قرّاء العربية بواسطة مترجمين جزائريّين، لأنّهم "الأكثر قدرةً على فهم الدلالات اللغوية المرتبطة بالعامّية، والتي لا يمكن فهمها إلّا في سياقاتها الاجتماعية والتاريخية".