تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى مختلف اللغات. ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع العربية؟ "لمعرفة الأحداث التي لا يرويها المؤرّخ کما هي، من المهمّ أن يطّلع القارئ على الأدب العربي"، يقول المترجم الكردي العراقي لـ"العربي الجديد".
■ متی وکيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
بدأت علاقتي العميقة باللغة العربية منذ نعومة أظافري؛ کنت أُتابع البرامج العربية مع إخوتي وأخواتي عبر تلفاز صغير في غرفة صغيرة مجاورة لغرفة الضيوف. لم أكن أتجاوز الرابعة من عمري وقتها. کنّا نتحدّث في ما بيننا، بين الحين والآخر، باللغة العربية الفصحى، وکان أبي يجيد التحدّث باللغة العربية ويقوم بمساعدتنا في التعلّم. لم يكن هذا السبب أو الدافع الوحيد لتعلّم هذه اللغة، بل أيضاً الموقع الجغرافي لبلدتنا، الذي ساهم بشكل جيّد في ذلك، لأنها تقع في خطّ قريب من بعض مناطق العراق کمحافظة ديالى، وکان هنالك اختلاط وزيارات عديدة بين أهالي المناطق المجاورة، ما ساعدني في تعلّم اللغة بسرعة. قرّرت بدْء قراءة الكتب، ثم اتّجهت في سنّ مبكّرة نحو الكتب العربية؛ قرأت العديد منها حتی تشكّلت لديّ خلفية لغوية لا بأس بها. ولسببٍ ما ــ لا أود الخوض به الآن ــ قرّرت بدء الترجمة من اللغة العربية إلى الكردية وأعتقد بأنّني اتّخذت القرار الأصحّ. أوّل نصّ ترجمته کان قصّة للكاتب الروسي أنطون تشيخوف تحت عنوان "المغفّلة"، وقد نشرته حينها في موقع أدبي بعنوان "هاوساني" (2015). بعدها ترجمت العديد من المقالات الأدبية والفكرية وأنا ما أزال في السادسة عشرة من عمري. هكذا جرت الأحداث حتی نشرت أوّل کتاب، وکنت أواصل الوقوع في حبّ هذه اللغة يوماً بعد يوم.
■ ما أوّل کتاب ترجمته وکيف جری تلقّیە؟
بعد ترجمة العديد من المقالات الأدبية، القصص والنصوص الشعرية في سنين مبكّرة، قرّرت في 2018 إعداد ونشر کتابي الأوّل. أعددت کتاباً صغيراً وکان عبارةً عن مقالات أدبية ونقدية حول الكاتب الألماني المحبّب لديّ هرمان هسّه. استعنت بمقالات کتّابٍ عرب حول حياته وأعمالە الأدبية، وبعد رفض نشره لدی العديد من دور النشر الكردية، نشرته علی حسابي الشخصي تحت عنوان "هرمان هسّه" في العام ذاته ودخلت به عالم القارئ الكردي. حظيت الترجمة بشعبية جيّدة، وأعتقد بأنني ساهمت في دخول هسّه إلی المكتبة الكردية. من هنا بدأت قصّة جديدة في حياتي: حلمٌ بأن أصير مترجماً غزير الإنتاج وأن أساهم في توسیع دائرة المعرفة في المكتبة الكردية. تغلّبت علی العقبات وما زلت أعبر الطريق الطويل نحو حلمي. الصبر والمثابرة من مزاياي الشخصيّة.
لغة عريقة كالعربية تشكّل تحدّياً للمترجم مهما كانت خبرته
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
صدرت في الآونة الأخيرة ترجمتي لمجموعة قصصية للكاتب والسينمائي العراقي حسن بلاسم تحت عنوان "الرجل القاموس"، وهو أول عملٍ لە في المكتبة الكردية. والآن، أنا منشغل بترجمة رواية للكاتب والمترجم العراقي الآخر غسّان حمدان، تحت عنوان "ريمورا". ستكون هذه الرواية إصداري القادم. أخطّط، بعدها، لترجمة کتاب آخر لحسن بلاسم.
■ ما العقبات التي تواجهك کمترجم من اللغة العربية؟
کلّ لغة تحتوي علی عقبات ومطبّات أثناء الترجمة، واللغة العربية کونها لغة عريقة، فإنها دائماً ما تشكّل تحدّياً للمترجم، حتی لو کان خبيراً ومهما كانت تجربته. أعتقد بأنني أواجه مشكلة في ترجمة الشعر والقصيدة العربية في کثير من الأحيان، لأنها تحتوي علی مفردات وجمل يصعب عليّ ترجمتها أو استضافتها بالطريقة التي أريدها، لذلك أنا مجبَر ــ من نصّ إلى آخر ــ أن أغيّر شيئاً من شكل القصيدة الخارجي لأتمكّن من تقديمها في السياق الكردي. أمّا بالنسبة إلى القصّة أو الرواية العربية، فأستطيع القول بأنني مرتاحٌ في ترجمتها إلی درجة جيدة، والعقبات في هذا الجنس الأدبي تعود أحياناً إلی لغة الكاتب حين يستخدم كلمات غير مألوفة أو قديمة أو عامية.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر علی ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، کيف تنظر إلی هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
أتحدّث عن اللغة الكردية، إذ ليس لدي أدنی خبرة باللغات العالمية أو کيف تجري الترجمة وما هي النصوص المترجمة من العربية. الترجمة من العربية أمرٌ جديدٌ نسبياً بالنسبة إلى اللغة الكردية؛ ومنذ البدايات إلی يومنا هذا، کانت الأضواء تُسَلَّط علی الأجناس الأدبية، فيما تمّ تهميش الفكر، والفلسفة، والميثولوجيا، والدين، والتاريخ والتحليل النفسي، إلی حدٍّ کبير. لكن في السنوات الأخيرة، خصّص بعض المترجمين وقتهم لترجمة أعمال معرفية عالمية إلی اللغة الكردية، وقد ظهرت في السنوات الخمس الأخيرة حملة شاملة لترجمة الفكر العربي، الذي صار محطّ اهتمام دور النشر والمترجمين، حيث خصّص بعضهم وقتاً جيّداً وترجموا الكثير من النصوص الفكرية، ليكونوا الجسر الراسخ الذي يعبر من خلالە الفكر العربي إلی عالم القارئ الكردي. السبيل إلى تجاوز هيمنة الأدب علی باقي إنتاج المعرفة العربية، هو أن تقوم دور النشر بإعلان مشاريع مخصّصة لترجمة الفكر والطلب إلى المترجمين المشارکة واختيار أهمّ العناوين الفكرية العربية لتكون داخل قائمة الترجمة، وبهذا نودّع تهميش الفكر العربي.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليە؟
في السابق کان التعاون عبارة عن تواصُل مع کاتب النصّ الذي أترجمە؛ أطرح علیە بعض الأسئلة المتعلّقة بالنصّ وهو يجاوبني، من أجل تسهيل عملية الترجمة. كما تشكّلت بيني وبين مؤسّسة فلسطينية تعمل في المجال التربوي علاقة تعاون في السابق، حيث أعدّت السيّدة ماجدة الحوراني قاموساً مخصّصاً للأطفال وقمت بدوري بترجمة وإعداد ومراجعة النسخة الكردية من أصل خمس نسخ بخمس لغات. نُشر القاموس وأُجريَ لقاءٌ في مدينة رام اللە للحديث عن القاموس وکنتُ مشارکاً عبر الإنترنت. منشغلٌ يومياً بأعمالي وتكوين علاقات تعاون جديدة.
حلمي المساهمة في توسیع دائرة المعرفة في المكتبة الكردية
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلی العالم؟
أصبح الروائي العربي يتعامل مع الأجناس الأدبية بكلّ جدية، حيث صدرت في العقود الأخيرة روايات تضاهي نصوص الأدب العالمي. بما أنني أترجم الأدب العراقي إلى حدّ الآن، وأمتلك خبرة لا بأس بها فيه، يمكنني القول بأن التعامل مع الأحداث السياسية المرتبطة بجغرافيا العراق، وخلْق الشخصيات والأحداث المؤثّرة، وقبل کلّ هذا العملُ وفْق تقنيات سرد عميقة وغير مألوفة ـ كلّ هذا أصبح من مزايا الأدب العراقي. ولمعرفة هذه الأحداث التي لا يرويها المؤرّخ کما هي، من المهمّ أن يتطلّع القارئ إلی الأدب العربي لمعرفة حياة الناس المأساوية والشاقّة، خاصّةً في زمن الحروب اللامنتهية. أجد لذّةً فريدة من نوعها عندما أقرأ رواية عربية ناجحة، وهذا يثير فضولي، وسرعان ما أتشوّق لترجمتها كي تصل إلی أيدي القارئ الكردي. أتمنّی أن أکون محطّ ثقة بين القرّاء الأكراد، والعمل بجدّية داخل هذه اللغة العريقة وهذا الأدب الذي أراه دوماً في مقامٍ عالٍ.
بطاقة
زانیار علي مترجم من مواليد عام 1999 في مدينة کلار بمحافظة السليمانية (كردستان العراق). نقل من العربية إلى الكردية أعمالاً عدّة، منها "هرمان هسّه" (مقالات عن الكاتب الألماني وحياته، من تجميع المترجم، 2018)، و"الغرور عند نالي والمتنبي" لآرام جلال (2018)، و"قصائد نسيتها الحرب في جيب الشاعر" لجان دوست (2019)، و"جمهورية مريم" لوارد بدر السالم (2019)، و"أفكّر مثل شجرة" لعبد العظيم فنجان (2020)، و"الرجل القاموس" لحسن بلاسم (2021).