أنتوني لوينشتاين.. تصدير الموت إلى العالم

15 مارس 2024
من غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "المختبر الفلسطيني" يكشف كيف تستخدم "إسرائيل" الأراضي الفلسطينية لتجربة وتصدير أسلحتها وتكنولوجيا المراقبة، مستغلة الصراع لتسويق تكنولوجياتها العسكرية.
- يتناول الكتاب تاريخ تجارة الأسلحة الإسرائيلية وكيفية استغلال الصراعات لبيع أسلحتها وتكنولوجياتها، بما في ذلك طائرات بدون طيار وبرامج التجسس.
- يُظهر دور "إسرائيل" في تزويد الأسلحة والتكنولوجيا لدول تمارس انتهاكات حقوق الإنسان، وتأثير التكنولوجيا الإسرائيلية في مراقبة اللاجئين ومكافحة الهجرة عالميًا.

في ظلّ حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها كيان الاحتلال الإسرائيلي، وعمليات التطهير العرقي التي تجري في عزّة منذ ما يزيد على خمسة أشهر، قد يكون مناسباً التوقّف عند كتاب الصحافي المستقل والكاتب والسينمائي الأسترالي أنتوني لوينشتاين "المختبر الفلسطيني: كيف تُصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم"، الصادر عن دار "فيرسو بوكس"، لفهم الرغبة الإسرائيلية في تصوير الجرائم والممارسات الإبادية أمام العالم كله. إذ إنها، من بين أمورٍ كثيرة أُخرى، جزء من حملة تسويقية أيضاً.

على الرغم من صدور الكتاب في شهر أيار/ مايو عام 2023، أي قبل بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة، إلّا أنّه يروي بشكلٍ دقيقٍ، واستناداً إلى وثائق حصل عليها الصحافي الأسترالي، تفاصيل عن كيان الاحتلال يُمكننا بناءً عليها، فهم حيثيات استخدام الأسلحة والتكنولوجيا في فلسطين، وخصوصاً في العدوان على غزّة. 

يكشف لوينشتاين في تحقيقه الذي يستند إلى دراسات ومقابلات وتقارير سرية، كيف عملت "إسرائيل" منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية عام 1948، على تحويلها إلى مختبر مثالي للمجمع التكنولوجي العسكري الإسرائيلي، حيث يقوم الاحتلال باختبار أسلحته وتكنولوجيا المراقبة لديه، بغية تصديرها في ما بعد إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك "الديمقراطيات" الغربية والدول الدكتاتورية على حدّ سواء.

زوّدت "إسرائيل" أوروبا بطائرات لمراقبة اللاجئين في المتوسط

غير أنَّ القصة لم تبدأ حديثاً، بل يعود الصحافي إلى ما قبل تأسيس "إسرائيل"، أي إلى بدايات الحركة الصهيونية، ويشير إلى أنّه كانت تُنشئ علاقات تجارة أسلحة مع عصبة الأمم المتحدة، خلال سنوات الاحتلال البريطاني. وبحلول الخمسينيّات من القرن الماضي، كانت "إسرائيل" قد بدأت بتصدير الأسلحة. وفي عام 1966 أسّست شركة "إلبيت" لتصنيع الأسلحة وتصديرها.

في صفحات الكتاب، سيتعرّف القارئ على طُرق لا تعدُّ ولا تُحصى، يستغلّ بها كيان الاحتلال، بلا رحمة أو قانون أو رادع إنساني، احتلاله لأراضي فلسطين، لعرض ثم بيع وتصدير جميع أنواع المعدّات العسكرية، وتكنولوجيا المراقبة، وتقنيات الحرب السيبرانية، وأساليب الشرطة. وعلى عكس مصنّعي الأسلحة الآخرين في جميع أنحاء العالم، فإنَّ صناعة الدفاع الإسرائيلية، على حدّ تعبير الصحافي، "لا تخجل من عرض فيديوهات ولقطات لأسلحتها الفتّاكة أثناء المعارك. ولن يكون قتْل المواطنين الفلسطينيّين، وتدمير المنازل، وهدم الأحياء، وأعمال السلب والنهب، وأساليب التعذيب في السجون، إلا نماذج عن مدى فعالية هذه الأسلحة التي تمَّ اختبارها في المعركة، وأكّدت فعاليتها في قتل البشر والمدنيين والأهالي، وهدم الحجر والأبنية والمعالم. وأي شيء أفضل من لقطات عسكرية تُظهر الأسلحة والطائرات وهي تقتل المدنيين لتسويقها في العالم!". 

ويستفيض الصحافي شرحاً في هذا السياق، ويعود إلى حروب "إسرائيل"، ويذكر أمثلة على ذلك. ففي العالم 2014، وأثناء العدوان على غزّة، قام كيان الاحتلال بتصوير معظم هجماته العسكرية وسلّط الضوء على "صواريخ تًطلقها الطيارات بدون طيار" التي استخدمها في عمليات القصف والغارات الجوية، وبعدها قامت "إسرائيل" ببيع قسم كبير من تلك الأسلحة التي استخدمتها إلى أوروبا ودول أميركا اللاتينية.

غلاف الكتاب


وفي فترة 2008 - 2009، خلال "عملية الرصاص المصبوب"، كما أُطلق عليها آنذاك، سوقت طائرة "إيتان" بدون طيّار باعتبارها مركبة جوّية رائدة عالمياً، وتمّ تصوير معظم حركات هذه الطائرة، والنتيجة كانت صفقة بيع مربحة لتصدير الموت إلى العالم.  

الإبادة الجماعية في غواتيمالا تمت بوساطة الأسلحة الإسرائيلية

لكن الأمر لن يتوقف عند الأسلحة فحسب، بل يذكر الكاتب أيضاً أنَّ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي استطاع في المختبر الفلسطيني تطوير تكنولوجية قاتلة وتصديرها. وهذا ما حدث مع برنامج التجسس "بيغاسوس"، الذي تصنعه مجموعة NSO الإسرائيلية، حيث قامت بعرض هذا البرنامج على معظم حكومات العالم، وكان له دور في التحكّم في الهواتف المحمولة ورسائل البريد الإلكتروني والصور وغيرها من الأمور الشخصية.

وليس هذا إلا غيضاً من فيض، كذلك كانت "إسرائيل" مصدراً لبيع الأسلحة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حتى انهياره في عام 1994. وحتى اليوم، كما يذكر مؤلّف الكتاب، تصدّر "إسرائيل" معدّات المراقبة والأسلحة إلى مجموعة كبيرة من البلدان، والعديد منها تتمتع بسجلات مروّعة في مجال حقوق الإنسان. 

ويثير صاحب كتاب "رأسمالية الكوارث" موضوع  صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى تشيلي؛ وهي قضية لطالما عمل كيان الاحتلال على نفيها، لكنّ الوثائق الأميركية التي عثر عليها الصحافي تُثبت أن "إسرائيل" كانت واحدة من مورّدي الأسلحة الرئيسيين للدكتاتور اليميني أوغستو بينوشيه. وتشيلي ليست إلا مجرّد مثال واحد على مبيعات الأسلحة الإسرائيلية للدكتاتوريات. حيث استفادت دول أخرى في نفس الحقبة مثل غواتيمالا وباراغواي والأرجنتين وهندوراس من التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية. ويذكر الكتاب أيضاً أن عمليات الإبادة الجماعية في غواتيمالا تمت بوساطة الأسلحة الإسرائيلية، "ولم يكن هذا أمراً جديداً بالنسبة لإسرائيل، حيث كانت الجماعات الإرهابية الصهيونية شبه العسكرية قد نفّذت بالفعل التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين الأصليين، ممّا مهد الطريق للكيان الاستعماري الاستيطاني"، يقول مؤلّف الكتاب. 

كذلك سيعرّف القراء أيضاً أنّ دولة الاحتلال هي التي زوّدت الاتحاد الأوروبي بطائرات دون طيار، لمكافحة تحرّكات اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يؤدي على نحو متزايد إلى حالات الغرق والموت، مع تضاؤل محاولات الإنقاذ، وممارسات الشرطة الأوروبية العنصرية مع المهاجرين. 

أما عن الأبراج الموجودة على الحدود بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك، والتي يُدّعى أنها من أجل "الأمن"، ولكن هدفها الرئيسي مكافحة الهجرة، فهي صناعة إسرائيلية. ولم يتغيّر هذا الأمر في ظلّ رئاسة بايدن. أما عن مكان الاختبار فقد كانت فلسطين هي المكان الأول الذي تم فيه تجريب هذه الأبراج. 

يحمل كتاب "المختبر الفلسطيني" قيمة استثنائية، لا سيّما في ظلّ حرب الإبادة الراهنة، إذ يكشف جزءاً من هذا التواطؤ الغربي مع "إسرائيل" والسكوت عن استخدام أسلحة الإبادة على الشعب الفلسطيني. لا شك أن هذه الأسلحة التي تُستخدم الآن وتقتل الأطفال والنساء والرجال في غزّة هي نفسها التي ستصدّرها "إسرائيل" للحكومات الغربية "الديمقراطية"، والتي ستستخدمها، بدورها، في حروب قادمة، أما على شعوبها أو على شعوب منطقتنا. 

 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون