"مرّ اليوم الأخير في السجن، 26 أيار/ مايو 2019، بشكل عادي، مع هواجس ومشاعر لا تخلو من التفكير في مَن سأتركهم ورائي غداً في السجن، في مصير الشباب الذين يملؤون أقسامه وهم لا يزالون ينتظرون محاكماتهم؛ هل سأرى أحداً منهم مجدّداً؟ الانقطاع عنهم يجعلك عاجزاً عن معرفة أو متابعة أبسط الأشياء".
بهذه الكلمات يَفتتح السياسي الفلسطيني باسل غطّاس الفصل الأخير من كتاب يومياته "أوراق السجن: كتاب من أروقة الكنيست الى سجون الاحتلال"، الذي يوثّق فيه تجربة اعتقاله في سجون إسرائيلية عدّة تنقّل بينها خلال فترة 23 شهراً (بين 2017 و2019، هو الذي اعتُقل نهاية 2016)، على خلفية قضية تهريب هواتف محمولة إلى الأسرى الفلسطينيين.
أمس الأحد، استضاف مسرح "سرد" في حيفا المحتلّة حفلاً لإطلاق الكتاب الصادر قبل أسابيع عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، شارك فيه، إلى جانب مؤلّفه، كلٌّ من الكاتب علي حبيب الله، والمحامية عبير بكر، وسناء سلامة، زوجة الأسير وليد دقّة، والكاتب علي مواسي، مُحرِّر الكتاب ومدقّقه، في حين قرأ الفنّان عامر حليحل مقاطع من الكتاب، رافقتْه فيها موسيقى حبيب شحادة.
وفي حديثٍ إلى "العربي الجديد"، قال غطّاس: "حاولتُ أن أنقل، بكل شفافية، تجربتي ونظرتي إلى الأمور، باعتباري أسيراً حديث العهد، وشخصاً لديه تجربة طويلة مع الأسرى السياسيين كنائب في البرلمان".
وأضاف: "يعرض الكتاب عذابات التجارب الإنسانية في الأسر، لكنّه يعرض أيضاً حياة الأسير بكل أوجهها، منها المُحزِن والمُغضِب، ومنها المُفرِح. فالأسرى ليسوا أبطالاً فقط، كما هي الصورة الموجود في مخيال الناس عنهم، بل هُم بشرٌ يُعانون ويضحكون ويفرحون ويحتفلون في الأعياد".
وفي كلمتها، قالت سناء سلامة، زوجة الأسير وليد دقّة (1962)، المسجون منذ عام 1986: "في السجن الإسرائيلي، في المكان الموازي والجامعة الموازية، أخرج باسل غطّاس تعبير 'رفيق' من لغة الاعتزال. ذهب باسل حتى النهاية في كسر عزلة المنسيين في الزمن الموازي، حتى أنه دخل الأسر في سبيل ذلك. لقد أنقذ باسل مفهوم 'رفيق القيد' من لعنة المجاملة أيضاً عندما قُيّدَ حرفياً مع وليد، بقيد واحد في رحلة يومين طويلين في جهنّم 'البوسطة'، من 'سجن جلبوع' إلى 'سجن رامون' و'نفحة' الصحراوي. كان باسل رفيق وليد في القيد حتى العظم، كما كان زكريا زبيدي رفيق وليد في المرض حتى النخاع. التحيّة، كلّ التحيّة لمَن وهبونا أعمق النماذج النضالية وأجملها".
من جهته، قال الكاتب علي حبيب الله إن أفضل تعريف لغطّاس هو ذلك الذي قاله له الأسير صدقي حامدي التميمي (1958، وفي الأسر منذ عام 2002)، في واحدة من رسائله (التي يعود إليها غطّاس في كتابه)، حيث خاطبه: "أنت الأسير الوحيد في فلسطين الذي سُجن من أجل الأسرى".
وأشاد حبيب بما قام به غطّاس من أجل الأسرى، قائلاً إن مساعدته لهم لـ"تحقيق غريزة التواصل" فعلٌ إنساني من الدرجة الأولى، لافتاً إلى أن "غريزة التواصل ثاوية تحت جلد كل أسير، ومن الممكن من خلالها إيجاد نبع حياة من داخل الأسر"، وهي مسألة غاية في الأهمّية، كما يُشير.
يُذكر أن غطاس وُلد في عام 1956 في قرية الرامة، شمالي عكّا، وكان نائباً في "الكنيست الإسرائيلي" منذ عام 2013 حتى اعتقاله. وهو حاصل على الماجستير في إدارة الأعمال من "جامعة نورث وستيرن" في شيكاغو، والدكتوراه في الهندسة البيئية من "معهد التخنيون" في حيفا. انخرط غطاس في العمل السياسي منذ سنّ مبكرة في صفوف "الحزب الشيوعي"، وكان ضمن قيادات الحركة الطلابية العربية خلال دراسته الجامعية. انسحب من الحزب مع الكثيرين من الشباب العرب أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ضمن محاولات إعادة بناء اليسار الجديد التي أفضت إلى تأسيس حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" في عام 1995، ونشط في صفوفه، وشغل مناصب عدة في هيئاته القيادية.