في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين الدراسات التاريخية والفلسفية والاقتصادية والسيرة والتصوف والشعر وأدب الرسائل والرحلات والسينما.
■ ■ ■
بترجمة محمد عبد المطلب الهوني، يصدر قريباً عن "منشورات الجمل" كتاب "عمر المختار وإعادةُ الاحتلال الفاشي لليبيا". ألّف العمل أربعة من أساتذة التاريخ المُعاصر الإيطاليّين؛ هُم: إينزو سانتاريللي وجورجو روشا ورومان راينارو ولويجي غوليا؛ وسبَق أن صدرت نسخةٌ عربية منه في ليبيا بترجمة عبد الرحمن سالم العقيلي، لكنّها حذفَت كلّ ذكر للحركة السنوسية، وهو ما يُفسّره الهوني، في مقدّمة ترجمته، بكون النظام السابق "أراد طمس الحركة السنوسية وزعمائها باعتبارها حركةً أنتجت دولة الاستقلال التي أقام النظام شرعيته على إسقاطها وتخوينها".
"أوّلُ العُشب" عنوان أحدث كتاب للشاعر السوري حازم العظمة (1946)، وقد صدر عن "منشورات المتوسّط". المجموعة هي الرابعة في تجربة الشاعر المقيم في باريس، والذي بدأ النشر متأخِّراً مع مجموعته الأولى "قصائد أندروميدا" (2004)، ثم أتبعها بـ"طريق قصيرة إلى عَراس" (2006) و"عربة أوّلُها آخر الليل" (2012). من المجموعة نقرأ: "لا شيء تبدّل/ الدرجاتُ الخشبُ العشرون في أوّل الفَجر/ صيحةُ الهُدهد عن الدَّرجة الثلاثين شمالاً/ الأخيرةُ لمنتصفِ الصيفِ هذا/ لا شيءَ تبدّل/ المسافةُ من هنا حتى أقرب تِلال المدينة/ تنهارُ من سياجٍ خَفيف".
بترجمة سام تايلر، صدر للباحثة الفرنسية آني كوهن سولال، عن "منشورات فارار وشتراوس وغيرو"، كتاب "بيكاسو الغريب: فنّان في فرنسا 1900 - 1973". تتتبّع المؤلّفة سيرة الفنّان الإسباني منذ قدومه إلى باريس، حيث اعتبرته أجهزة الأمن فوضوياً، وظلّت وصمة "أجنبي" و"راديكالي" و"طليعي" تلاحقه من قبل الشرطة وأكاديميين محافظين وتيارات سياسية أُخرى لأربعة عقود؛ رغم مواقفه المناوئة للنازية ودفاعه عن الحكومة الفرنسية الشرعية خلال الحرب العالمية الثانية، ما أجبره في النهاية على ترك باريس عام 1955، والعيش في الجنوب الفرنسي حتى رحيله.
عن "المركز القومي للترجمة" في مصر، تصدر قريباً النسخة العربية من كتاب "هِبة الفلاسفة: إعادة تفكير في التبادُلية" للمفكّر الفرنسي مارسيل إيناف، بترجمة منال بشير. لا يبدو عنوان الترجمة وكأنه يحيل إلى النقاش الطويل الذي بدأه الأنثروبولوجيون مطلع القرن الماضي، حول معنى أن يهب المرء شيئاً لشخص آخر، وهو ما سبق للفرنسي مارسيل موس أن درسه في مقالته "بحثٌ في الهِبة". هنا، يأخذ إيناف المقولة الأنثروبولوجية إلى أراضٍ فلسفية مختلفة، مدافعاً عن أنّ الهبة الحقّ، من وجهة نظر فلسفية، هي تلك التي لا ينتظر المرءُ مقابلاً لها.
عن "الآن ناشرون وموزّعون"، صدر كتاب "السينما العربية.. أطياف وأحلام"، للناقد السينمائي الأردني ناجح حسن. يرصد العمل الحراك السينمائي العربي على صعيد الكمّ الإنتاجي، والاستثمار في مجال التوزيع، وتشييد صالات عرض حديثة على أنقاضِ دُور سينما شعبية، ملبّية شروط ومتطلَّبات تقنيات العَرْض السائدة في كُبرى العواصم والمدن الأجنبية، كما يُضيء بعض التحوّلات السينمائيّة، بفعل تنامي القوة التكنولوجيّة لوظيفة كاميرا الفيديو الرقميّة، وشروع مخرجين شباب في اختيار صناعة الأفلام ونجاح عدد منهم في صَوغ الكثير من الأفكار والرؤى.
"عن الحماقة" عنوان مقالةٍ للكاتب النمساوي روبرت موزيل (1880 ــ 1942)، صدرت ترجمتها الفرنسية عن "دار أليا" في باريس. ينتمي النصّ إلى مجموعة مقالات تأمّلية للكاتب لم تحظَ بتلقٍّ كافٍ، في ظلّ شهرة أعماله السردية التي سبق له أن قدّمها، ولا سيّما روايته "الرجل الذي لا خِصال له" (أو "رجل بلا صِفات"، في ترجمة عربية أُخرى). ينظر موزيل إلى الحماقة بوصفها مرضاً شائعاً من أمراض الفكر، وهو يقاربها وفقاً للسياقات الثقافية والسياسية، مُحاولاً تحليل الكيفية التي تتخفّى بها الحماقة وراء أقنعة التقدّم، والتقنية، والتطوّر، وغيرها.
"طه حسين: ذكرياتٌ شخصية معه" عنوان كتاب يصدر قريباً عن "منشورات سشات"، للباحث والناقد الأدبي المصري صبري حافظ. يقدّم العمل صورة قريبة عن "العميد" من قلب بيته، وهو وسط زوّاره من الشخصيات الأدبية والثقافية والسياسية في عصره، ما يجعل القارئ يطوف في رحلة ما بين الأنواع السردية والمعرفية؛ كما يرتحل مع صاحب "الأيام" في جغرافيا تنقّل فيها من المنيا إلى القاهرة، ثم إلى باريس. ويجمع الكتاب بين خصائص أدب السيرة وأدب الرحلة، ويقترح فيهما، وفقاً للناشر، "الثقافة كوسيلة أساسية لإثبات الوجود الأصيل في عالم يزداد تعقيداً".
"سوقٌ بدون ليبرالية" عنوان كتاب للباحث المغربي يحيى اليحياوي، صدر عن "دار أفريقيا الشرق". يرى المؤلّف أنّ المغرب لم ينجح في إقامة ركائز لاقتصاد السوق، وأنّ السوق لم يكن فيه يوماً مجالٌ مستقلٌّ تتدافع بداخله الإستراتيجيات الفردية بحرية، ودون إكراه من أطراف خارجية، كما لم تكن ثمّة قواعد سياسية وأخلاقية تضبط هذه الآليات، وتحول دون بروز سلوكات قد تضرّ به، مُضيفاً أنّ الليبرالية المعمول بها عمدت إلى إعمال قواعد خارجة عن السوق. وبناءً عليه، يتساءل: أين اقتصاد السوق ومبادئ الليبيرالية وحرية المنافسة والبقاء للأنجع؟
"الحكمة التراجيدية: في حُسن توظيف نيتشه" عنوان كتابٍ للفرنسي ميشال أونفري (1959) تصدر ترجمتُه قريباً عن "دار صفحة سبعة" بتوقيع المُترجِم السوري جلال بدلة. يستكمل صاحب "نفي اللاهوت" (2005)، في مؤلّفه هذا، مقارباته ما بعد الحداثية في التعاطي مع الفلسفة، أو حول ما يُسمّيه "فلسفة المتعة" والتي سبق له أن نظّر لها، معتبراً أفكار الفيلسوف الألماني (1844 - 1900) مرجعيته في نقد المقولات التي نادت بها تيارات الحداثة. تأتي هذه الترجمة في إطار مشروع أوسع تستحضر فيه الدار مؤلّفات أُخرى لأونفري، وتسعى لإصدارها خلال هذا العام.
"الفرق الصوفية في كركوك" عنوان كتاب للباحث صباح عبد الله كركوكلي صدر عن "دار الشؤون الثقافية" في بغداد. يعود المؤلّف إلى تاريخ المدينة التي تقع شمالَي العراق بوصفها إحدى أبرز حواضر التصوّف في البلاد؛ حيث احتضنت أقدم طُرقه مثل "النقشبندية" و"الرفاعية" منذ القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، مستعرضاً أبرز معالمها التاريخية من زوايا وتكايا ومساجد، وكذلك التغيّرات التي حدثت لدى الفرق الصوفية في كركوك بسبب اجتهاد شيوخها في قضايا سياسية واجتماعية، إلى جانب تأثّرها ببعض اجتهادات الفِرق والتيارات الأُخرى.
عن "دار الرافديَن"، تصدر هذه الأيام ترجمةٌ جديدة من كتاب "الرسائل الفارسية" للفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو (1689 - 1755)، بتوقيع إينانة الصالح. نشر الكاتبُ عملَه عام 1721 باسم مستعار هو شارل لوي دي سيكوندا؛ وفيه وجّه نقداً للظواهر المجتمعية في بلده، ضمن قالب يجمع بين أدب الرسائل والرحلات؛ حيث تتبادل شخصيتان متخيَّلتان من الإمبراطورية الفارسية الرسائل بعد انطلاقهما في رحلة إلى أوروبا. نقرأ من مقدّمة المترجِمة: "ليس الكتابُ رواية متعدّدة الرُّواة فحسب، بل رمز للفكر التنويري، ممّا يصعب تصنيفه تحت نوع أدبي أو فكري معيَّن".
عن "دار النهضة العربية للنشر"، صدرت نسخةٌ جديدةٌ من كتاب المسرحي والشاعر اللبناني سحبان أحمد مروّة (1954 - 2012) "نوادر الملّا نصر الدين الصغرى"، وهو عبارة عن متتاليات قصص قصيرة جدّاً تقع في 295 صفحةً، من بطولة المُلّا نصر الدين خوجا، الشهير باسم "جحا"؛ وقد صاغها صاحبها ببيان أدبي إنساني ضدّ الظلم والاستبداد والتعصُّب الأعمى. ومن الكتاب نقرأ: "كان المُلّا نصر الدين جالساً قرب بركة داره، حين سقطت زهرة ياسمين في البركة فتغضّن وجهُ الماء قليلاً، ثم سكنت صفحته، فقال الملّا: ما أحلى شهادتكِ للحقّ والحقيقة يا أُختي!".