في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين الدراسات التاريخية والفلسفية والفكرية والسياسية والنقد الفني والشعر.
■ ■ ■
لطالما كانت تجربة ما يُعرَف بـ"سنوات الجوع" في إسبانيا موضوعاً يصعب تناوله بشكل واضحٍ وتفصيلي، لأسباب عديدة ومركّبة، قد يكون من بينها أن الذاكرة الجمعية ترفض تذكُّر أوقات الندرة والعوز، إضافة إلى اقتران تلك المرحلة (التي استمرّت بين عامي 1939 و1952)، بدكتاتورية فرانكو. يهدف كتاب "وصفات الجوع"، لمؤلّفيه دافيد كوندي ولورينزو ماريانو، الصادر عن دار نشر "كريتيكا" الإسبانية، إلى تسليط الضوء على هذه الفترة التي شهدت واحداً من أكثر الأحداث دراماتيكية في التاريخ الحديث لشبه الجزيرة الإيبيرية.
عن "دار أفريقيا الشرق"، صدرت ترجمةُ كتاب "طبيعية الطبيعة"، الجزء الأوّل من سلسلة "المنهج" للمفكّر الفرنسي إدغار موران (1921)، بتوقيع يوسف تيبس. يُخصِّص موران هذا الجزء للفيزياء، معتبراً أنّ التناقض بين العِلمَين: التقليدي والمعاصر، يرجع إلى تصورهما لمفهومَي النظام واللانظام (الحتمية والنسبية)، داعياً إلى إعادة النظر إلى العالم باعتباره يجمع بينهما. لتفسير العلاقة بين المفهومين، يستعين موران بمفهوم التحاوُر، مُعتبراً أن "جدل النظام واللانظام يقع في مستوى الظواهر، أمّا التحاوُر فيحدث في مستوى المبدأ".
عن "مكتبة الإسكندرية" و"مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي"، صدر كتاب "مصر القديمة: العقائد والعمارة الدينية والجنائزية" لعالِم المصريات والمدير الأسبق لـ"المتحف المصري" بالقاهرة، محمد صالح علي. العمل جزءٌ رابع وأخير من سلسلة "مصر القديمة" التي اشتركت المكتبة مع المركز في إصدارها، ويتناول فيه المؤلّف علاقة العقائد الدينية المصرية القديمة والأساطير المرتبطة بها، وما يتصل بها من ابتكارات معمارية دينية مثل المقابر والأهرامات التي أوجدها المصريون القدماء استناداً إلى اعتقادهم بـ"الحياة الأبدية".
للمفكّر والناقد الإيطالي كارلو أوسولا، صدرت، لدى منشورات "لي بل ليتر" في باريس، النسخة الفرنسية من كتاب "الحياة البسيطة". يستكمل المؤلّف ما بدأه في كتابه "الفضائل العاديّة"، أي المرافعة من أجل فهمٍ يوميّ للأخلاق، انطلاقاً من مقولة الفيلسوف الفرنسي بليز باسكل حول أن "فضيلة رجلٍ ما لا تُقاس بما يجهد ليقوم به، بل بما يفعله بشكلٍ اعتياديّ". هكذا، يفصّل أوسولا، في كلّ فصلٍ من فصول كتابه، في واحدةٍ من الفضائل الإنسانية اليومية (الصدق، الوفاء...)، مستعيناً بالعديد من الشواهد من تاريخ الفلسفة والأدب.
"مِن الأزل إلى الأبد"، عنوان المجموعة الجديدة للشاعرالمغربي نبيل منصر (1965) الصادرة عن "منشورات باب الحكمة"، بعد "غمغمات قاطفي الموت" (1997)، و"أعمال المجهول" (2007)، و"مدينة نائمة" (2009)، و"كتاب الأعمى" (2011)، و"غسق الغراب شفق اليمامة" (2014)، و"أغنية طائر التم" (2017). اللغة في قصائد منصر كيانٌ حيٌّ مُلتصِق بِجِلد الأشياء وبالوجود ذاتِه. يقول: "الصَّخْرةُ تأسرُ النَّوْرَسَ والغَريق/ الذي يَقتاتُ مِنْ جُذورِها/ الكَلِمةُ الوَحيدةُ التي تَكتنز سِرَّ ذلك هي الصَّمتُ/ أحيانا تَظهَرُ جَريحَةً مُتلاطِمة بالأمواج الكَبيرةِ/ وأخرى تَهبِطُ عميقاً في الأعماق/ لِتَشْهَدَ على وِلادةِ شيءٍ".
يتحدّث كتاب "الصدى المرسوم" لأوسكار مارتينيز، الصادر عن "دار سيرويلا" الإسبانية عن تلك اللوحات الفريدة التي تتمُّ فيها إعادة إنتاج مَشاهد داخل أخرى؛ عن تلك اللوحات التي تحتوي على رسومات وملصقات وخرائط للقارّات البعيدة، وصور فوتوغرافية قديمة، أو لوحات أُخرى، أو حتى مرايا غامضة؛ عن تلك اللوحات التي تعيش في داخلها لوحاتٌ أخرى وتتغذّى عليها. من أعمال بيكاسو والغريكو وفان غوغ، مروراً ببيلاسكيث وفيرمير، وانتهاءً بأنغيسولا وفان إيك، يتناول المؤلف، أعمال هؤلاء الفنانين وغيرهم، ويقدّم رؤيةً جديدة لاشتغالاتهم.
بترجمة عز الدين الخطابي، صدر عن "دار توبقال" كتاب "الترجمة والعنف" للناقدة الفرنسية تيفين سامويو (1968). يسعى العمل، بحسب الخطابي، إلى تجديد فكر الترجمة؛ حيث تعالج مؤلّفته تاريخ العنف الذي لعبت فيه الترجمة دوراً سلبياً؛ مثل الهيمنة الاستعمارية، ومخيّمات الإبادة، ومجتمعات التمييز العنصري، والأنظمة الشمولية. وتدعو أستاذة الأدب المقارن في "جامعة السوربون 3"، في هذا الكتاب، إلى النظر إلى الترجمة وفهمها بوصفها عمليةً ملتبسة ومعقّدة، وأحياناً مضرّة، بدل اعتبارها "فضاءً وحيداً للعلاقة السعيدة بين الثقافات".
"رمسيس الكبير، ملك ملوك مصر" عنوان كتاب صدر عن "منشورات جامعة ييل" لأستاذ المصريات توبي ويلكينسون. يستعرض المؤلّف سيرة رمسيس الثاني الذي حكم وادي النيل من 1279 إلى 1213 قبل الميلاد، وهي واحدة من أطول فترات الحكم في التاريخ الفرعوني، مُضيئاً على دبلوماسيته المتقدّمة، كما تبيّنها معاهدة السلام بعد معركة قادش بين المصريين والحثّيين، وكذلك التطوّر المعماري في عهده، حيث شُيّدت معابد أبو سمبل، ومنها قاعة الكرنك، ونُصب تذكاره الخاص هناك. كما يحلّل العمل شخصيته بحسب السجلات المصرية ونطيرتها في حضارات أُخرى.
"مواطنون مسؤولون ودول غير مسؤولة: هل يتحمل المواطنون أخطاء دولهم؟" عنوان كتاب للباحثة آفيا باسترناك، صدرت ترجمته العربية عن "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، بتوقيع عومرية سلطاني. تتناول المؤلّفة مجموعة من القضايا، مثل مفهوم المواطنة القصدية في الأنظمة الديمقراطية والأوتوقراطية، والدولة بوصفها فاعلاً مؤسّسياً، وطبيعة مسؤولياتها الأخلاقية، وحدود الطوعية والقبول لدى المواطنين فيها. كما تطرح باسترناك تصوّرات تسعى لتكون أكثر عدالةً حول علاقة الشعوب بأفعال وممارسات سلطاتها، سواء أكانت هذه السلطة استبدادية أو ديمقراطية.