"إهانة غير ضرورية" لإياد عبد الرحمن: جوهر التجربة الإنسانية

12 يوليو 2024
النص بالمبدأ حكاية متخيّلة، إلّا أنّ فيها كلّ ممكنات الواقع
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الرواية "إهانة غير ضرورية" للكاتب السعودي إياد عبد الرحمن تتناول قصة آدم الذي تم خصيه من قبل والدته، وتستعرض حياته منذ طفولته في الحبشة حتى وصوله إلى المدينة المنورة ومكة.**
- **تدور أحداث الرواية حول نظام الأغوات في المسجد الحرام والمسجد النبوي، الذي انتهى بفتوى في أواخر السبعينيات، وتصف تحديات آدم الجسدية والعاطفية نتيجة فقدانه لعضوه الذكري.**
- **الرواية تعكس معاناة آدم وعدم شعوره بالانتماء، وتقدم تجربة إنسانية عميقة تتناول جوهر العيش وأزمته، مستلهمة من كلمات الشاعرة مايا أنجلو.**

رواية "إهانة غير ضرورية" للكاتب السعودي إياد عبد الرحمن (1987) تأخذ من ظرف شديد التحديد والخصوصية، وهو موقف لم يعد موجوداً، تأخذ منه - باقتضابه وضيقه - مجالاً أَعمّ لرؤية تشمل علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقته بالآخرين، وتشمل علاقة الإنسان بجسده منذ البدء.

الشخصية الأساسية، آدم، مجبوب، مخصيّ. والجُرم الذي لحق به حدث كي تتقرّب والدته من الله؛ وقد نذرت ابنها للخدمة في المسجد النبوي. والموقف الذي لم يعد موجوداً، أنّ الرواية عن نظام الأغوات الذي كان سائداً في المسجد الحرام بمكّة، والمسجد النبوي بالمدينة المنوّرة، وهو نظام كان يحثُّ على تجنيد الأفارقة الفقراء للعمل في الأماكن المقدّسة، وتوقَّف العمل به في أواخر السبعينيات بفتوى من المفتي العامّ للسعودية. 

إذاً، النص بالمبدأ حكاية متخيّلة، إلّا أنّ فيها كلّ ممكنات الواقع لسيّدة في الحبشة تخصي طفلها، ثم تأتي إحداهن، وكي توقف النزيف، تزيل ذكورة الطفل. الرواية قاسية بالمبدأ، وفيها ذلك التضادّ الذي تصنعه شرور الناس، شرور الجهل، وبدائية التصوّرات عن الإيمان. لكن النصّ ليس عن هذا بالضبط، بل عن آدم نفسه، عن صراعاته مع جسده، وعن جهله لجسده.

حيث يقاسي الأفراد مع أجسادهم ومع أدوارهم وفي علاقاتهم

من غير ادّعاءات، من غير تنميق، وببساطة طفل يقابل مأساة انتزاع عضو منه، من غير أن يعرف طبيعة العضو الذي يُنتزع، من غير أن يعرف أنَّه قد خضع للتوّ لتغيير في طبيعته، وصار يحمل في داخله جرحاً يتّسع من غير أن يندمل مع الوقت، وهو جرحٌ يبدأ بوظائف الجسد العضوية نفسها، ويمتدّ إلى الشؤون العاطفية التي سيتأخّر كي يدركها. ومع إدراكه لها، يدرك حرمانه من الحُب، وأنّ موقعه في تلك العلاقة التي بوسع الجميع عيشها؛ أن يمنح الحُب، لا أن يكون محبوباً. مع ذلك، فالنصّ مبنيٌّ على وعي غير ثأري، لا يكيد آدم بالآخرين. بل نراه يقوم بما في وسعه كي يساعدهم، كي يخفّف من آلامهم. 

الرواية تدور كلّها، وآدم يستعيد سيرة حياته منذ أن أخصته والدته مع القابلة، إلى هجرته إلى اليمن، وعيشه لدى شيخٍ هناك لسبع سنوات، ثمّ هجرته إلى المدينة المنوّرة في السعودية، وهروبه مع شيخ الأغوات إلى مكّة كي يساعده في العثور على زوجته وابنه، ثمَّ عودته إلى المدينة، ليكتشف انتهاء نظام الأغوات، وهدم حيّهم لتوسيع بناء المسجد النبوي، وأخيراً استقراره في مكّة. يسرد الراوي هذه الحياة وهو عالقٌ أسفلَ جدار، تهدّم عليه، بسبب السيول، بينما كان يستحم. ويصوّر الكاتب السعودي هذه الحياة الغنية الممتدّة بلغة تصف الأشخاص والمواقف والأمكنة على نحو يجعلها تنطق وتدلّل ويُستشهد بها. ربما إحدى نجاحات الرواية الصادمة أنّ الراوي يحكي هذا كلّه وهو عالقٌ ينتظر موته. 

رجلٌ في الستّين من العمر، مجبوب، حياته بدأت مع عقدة انتزاع عضو منه، واستمرّت تدور حول هذه المأساة التي قرّرها له آخرون. وعلى عكس ما قد يوحي بهِ تصدير النصّ بأنّه عن جماعة الأغوات، النصّ عن تجربة فرد واحد؛ مأساته، عدم شعوره بالانتماء إلى الجماعة التي قُسر على أن يكون فرداً فيها. ولو أنّ العنوان نفسه مستلهَمٌ من كلمات الشاعرة الأميركية مايا أنجلو (1928 - 2014) بأنّ معرفة أحدهم أنَّه يخوض حياته شخصا أسود هي إهانة غير ضرورية، أمرٌ يشير إلى أنّ ما يُعذّب البشر هي معرفتهم بأدوارهم، هي تعريفهم ضمن أدوار محدّدة. استطاع الكاتب السعودي أن يجعل من هذه المعرفة المحدّدة للدور المرسوم الضيّق؛ تجربة إنسانية فيها جوهر العيش وأزمته؛ حيثُ يقاسي الأفراد مع أجسادهم، ومع أدوارهم، وفي علاقاتهم مع الآخرين، ومع الله.


* روائي من سورية

المساهمون