يقول الفنان والباحث إياد كنعان، في كتابه "تحوّلات الفنّ التشكيليّ في الأردنّ من فكّ الارتباط إلى الربيع العربيّ – بحث مؤثرات ما بعد الحداثة" (2014)، إن "تطور الفن التشكيلي في الوطن العربي والأردن لم يواكبه تطور في طريقة تذوقنا للأنماط الفنية الجديدة".
ويضيف، في سياق حديثه عن إخفاق نقدي عربي: "بقيت منهجياتنا التي استهلكناها في مرحلة ’الحداثة’ لدرجة الملل على حالها، بل حاولنا تكريسها من جديد، فكانت النتيجة فشلاً نقدياً أشد، ونكوصاً معرفياً ومفهومياً أكثر إيلاماً".
"الخِطاب في الفنّ التشكيليّ في الوطن العربيّ من المنظور النقديّ لـ ما بعد الاستعماريَّة - مقاربة سيميائيَّة نقديَّة مقارنة" عنوان محاضرة كنعان التي يقدّمها عند السادسة من مساء اليوم الثلاثاء في "بيت الثقافة والفنون" بعمّان، بتنظيم من "مركز تعلّم واعلم لللأبحاث والدراسات".
في حديث لـ"العربي الجديد"، يبيّن المحاضِر أنه يعود إلى "النزعة الخطابيَّة الجديدة" التي ظهرت في حقبة "الربيع العربي"، وبُنيت في الأساس على استقبال الفن التشكيلي في الوطن العربي بين عامي 1990 و2010؛ مؤثرات واضحة من المفاهيم التي كان تبناها ما سُمي بـ"اليسار الجديد" في الغرب، مثل "النسويَّة"، والمثليَّة"، و"البيئيّة"، و"مناهظة العنصريَّة"، و"حركة حقوق المهاجرين"، و"الإسلامويَّة".
يرى أن هناك محاولات لشحن الأعمال الفنيَّة والتشكيليَّة المعاصرة بحضور خِطابيّ جماعيّ مهتزّ
ويلفت إلى ظهور محاولات نقدية غربية و"عربية" حثيثة مختلفة ما بين عاميْ 2010 و2020، لإعادة بناء وعي نقديّ وفنّيّ جديد في المجتمعات العربيَّة، وفق منطلقات عقائديَّة وإيديولوجيَّ وأخلاقيَّة" جديدة، تستند إلى محاولات لإعادة النظر في كافة "السرديّات" المؤسّسة لـ "الكيانات السياسيَّة" الناظمة للمجتمعات العربيّة، وللمنجز التشكيليَّ في الوطن العربيّ، بوصفه أحد أشد المساهمين في إعطاء "شرعيَّة" لتلك "الكيانات"، وتثبيت أركانها، إبتداء من المجال الثقافيّ، مروراً بالمجال الاجتماعيّ، وصولاّ إلى المجال السياسيّ.
ويصف هذه المحاولات بأنها تتكئ على نمط جديد ومعاصر من "نزعة تحطيم المعتقدات" على المستويات التاريخيّة والسرديّة والمفهوميّة، وتالياً الأخلاقيّة، مُشيراً إلى أنها تزامنت مع انبعاث جديد لـ "نزعة تخريب الأثر في العالمين العربيّ والاسلاميّ، التي اتخذت منحى عقائديّاً وشعبويّاً متبايناً، لتعكس تلك المحاولات في المحصّلة أبعاداً استعماريَّة جيو - سياسيَّة وجيو - ثقافيَّة" متباينة.
ويضيف أن هذه النزعة تتبنّى منظورا ثقافيّاً "تفكيكيّاً" بمرجعيّات غربيَّة في الغالب، تستهدف في مجملها "البُنى التحتيَّة" المؤسّسة لـ "الثقافة والمجتمعات العربيَّة"، بأبعادها الماديَّة والمعنويَّة (الرمزيَّة والدلاليَّة)، خاصَّة المؤسّسة للمشروع الثقافيّ العربيّ "الوطنيّ" الحديث والمعاصر، عبر استهداف "رابطة العروبة" تارةً، وإكساب المجتمعات العربيَّة طابعاً إقليميَّاً أو مناطقيّاً أو فئويَّاً ضيّقاً، وتارة أخرى عبر تشويه الفكرة "الإسلاميَّة"، وإكسابها طابعاً جذريَّاً وشموليّاً متطرّفاً، يعكس حالة من "الصراع" و"الاضطراب"، أكثر مما يعكسه من "استقرار" و"ثبات"، بحسبه.
ويرى كنعان أن كل ذلك تَرافق مع جملة من المحاولات التي تقوم على فكرة "شحن" الأعمال الفنيَّة والتشكيليَّة المعاصرة بحضور خِطابيّ "جماعيّ" مهتزّ، خاصَّة لجهة طغيان "السرديّات" المجتزئة والمتعارضة والمتضاربة فيها، وتعارضها مع السياقات "الجماعيَّة" التي حدثت ضمنها وخلالها وفي أطرها المفهوميَّة، وتالياً تحوّل بعض الفنانين إلى "أبواق خِطابيّة" تسهم في هدم كل ما من شأنه تشكيل "قيمة عليا" جماعيَّة في المجتمعات العربيَّة، في ظل تحلّل مفهوم العمل "الفرديّ"، لصالح الأعمال "الهجينة"، التي يشترك عدد كبير من الأفراد، من تخصُّصات ومرجعيّات فكريَّة وتقنيَّة مختلفة، في التخطيط لها وتنفيذها وإنتاجها والترويج لها لاحقاً، وفق رغبات "السوق الفنيّ".
ويدعو إلى الوقوف أمام المحاولات المتكرّرة التي تسعى إلى "تفكيك" المنظور التاريخيّ والجغرافيّ والسياسيّ والثقافيّ والاجتماعيّ والقيميّ والعقائديّ (بالمعنى التقليديّ المتداول، والمعنى الحديث والمعاصر)، الذي يشكّل أساساً لثبات المجتمعات العربيَّة الحديثة والمعاصرة، مقابل استبدالها بمجموعة من "السرديّات" الاستعماريَّة "النمطيَّة" والمشوِّهة، التي لا تستند في الغالب إلى أيّ مُعطى ماديّ أو موضوعيّ حقيقي ومؤثّر.