منذ قرابة ثلاثة أعوام، اجتمعت ثلاث معماريات سوريات، هُنّ كندة غنّوم وسالي العسافين وحلا الأفصع، في مبادرة تقوم على أرشفة الغرافيك في بلادهنّ، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا المجال؛ حيث بدأن بالخطوط العربية في الشوارع السورية وعلى لافتاتها القديمة، ثمّ اكتشفن أنّ الموادّ التي جرى جمعُها يمكن توزيعها بين أكثر من مجال.
بعد بحث وتقصٍّ عبر التواصُل مع العديد من الفنّانين والمهتمّين بجمع المطبوعات والكتب والطوابع والأفلام والإعلانات، تأسّس "الأرشيف السوري للتصميم" كمشروع توثيقي غير ربحي يهدف إلى أرشفة عناصر التصميم الغرافيكي والعناصر البصرية في سورية.
هذا المشروع ستُعرّف به جلسةٌ ينظّمها "مركز الإفلا الإقليمي للحفاظ على التراث الوثائقي في الدول العربية والشرق الأوسط" في "مكتبة قطر الوطنية" بـ الدوحة، عند الخامسة من مساء الثلاثاء، السادس عشر من أيار/ مايو المقبل.
يجري التخطيط لإقامة معارض تضمّ أرشيفات أصلية
تتحدّث في الجلسة، التي تُبثّ عبر منصّة "زووم"، المصمّمةُ كندة غنوم، التي تخصّصت في دراساتها العليا بالفنون البصرية، وكذلك المهندستان المعماريتان سالي العسافين، المهتمّة بالتصوير الفوتوغرافي، وحلا الأفصع، المهتمّة بحروف الطباعة العربية، والرسوم بشكل أساسي.
تأتي هذه الجهود في سياق مبادرات مماثلة برزت خلال العقد الأخير، عقب اندلاع الثورة السورية، اتّجهت إلى توثيق الموسيقى والمسرح والفنّ التشكيلي وغيرها، وهي جهودٌ تشكّل محاولة لتثبيت الهوية السورية في زمن الشتات، وتُمثّل شكلاً من أشكال الحنين إلى ماضٍ كان أجمل.
في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول غنّوم إنّها لاحظت، خلال دراستها العمارة والفنون البصرية، في البكالوريوس والماجستير، أنّ النماذج المدروسة تقتصر على فنّانين عالميّين، حيث يغيب الفنّانون العرب ومنهم السوريّون. أثار ذلك فيها فضولاً ورغبةً بالبحث قاداها إلى الالتقاء مع سالي العسافين وحلا الأفصع في نهاية 2020، ليبدأن التواصل مع العديد من الأشخاص من أجل الحصول على بيانات تخصّ التصميم الغرافيكي في سورية خلال مئة عام مضت، ومن ثمّ نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، ومن المتوقّع في آخر السنة الجارية إطلاق موقع إلكتروني خاصّ بالمشروع.
وتُبيّن غنّوم أنّ الاتصال لم يقتصر على المصّممين، حيث قام فريق العمل بمراسلة أبناء مصمّمين راحلين للحصول على أرشيفاتهم. وفي مسارٍ موازٍ، قام العديد من المتطوّعين بتوثيق الخطوط العربية في شوارع سورية وعلى لافتاتها القديمة، كما تضمّ مقتنيات المشروع طوابع يعود أقدمها إلى عام 1950، فيما يتواصل البحث حالياً عن طوابع المملكة العربية السورية التي صدرت عام 1919.
ومن أبرز المصمّمين الذين جُمعت أعمالهم: عبد القادر أرناؤوط، ومحمود حمّاد، ومنير الشعراني، ويوسف عبدلكي، ونذير نبعة، وبرهان كركوتلي، ولجينة الأصيل. وقد وصل عدد الوثائق إلى أكثر من ألف حتى الآن، إلى جانب الطوابع. كما سيُخَصَّص قسمٌ جديد للعملات النقدية، يتضمّن أسماء مَن صمّمها وتواريخ ظهورها وكلّ ما يتعلّق بالجانب الغرافيكي في إصدارها.
تُشير غنّوم إلى أنّ الهدف الأساسي من الأرشيف هو أن يكون مرجعاً للباحثين والمهتمّين بالتصميم، وأن تُقام معارض تضمّ مجموعة من الأعمال المؤرشفة الأصلية، وليس النسخ الإلكترونية المتوفّرة منها فحسب، كما يجري التفكير في جمعها في كتاب أو مطبوعات متخصّصة، مضيفة أنّ "المشروع لا يزال معتمداً على التمويل الذاتي من أعضاء الفريق، إلّا أنّنا نسعى إلى الحصول على تمويل من مؤسّسات داعمة لاستكماله وتطويره".
تضيء المتحدّثات في "مكتبة قطر الوطنية" على تطوّر المشروع إلى أرشيف رقمي يوثّق أنواعَ وأشكالَ التصميم وتطبيقات الخطّ العربي بمختلف أشكالها، حيث ينقسم إلى عدّة فروع تشمل المطبوعات والوسائط والتلفزيون ولافتات الشوارع والطوابع. ويشتمل الأرشيف على أربعة مجالات، الأوّل يهتمّ بتوثيق استخدامات الخط العربي بالشارع السوري، سواء كان في لافتات لمحلّات تجارية أو لافتات لأطبّاء ومحامين ومهندسين أو إعلانات طرقية أو أيّ شيء يمكن توثيقه على السيّارات والجدران.
أمّا المجال الثاني، فخُصِّص للمطبوعات من كتب ومجلّات وجرائد ودوريات طُبعت في سورية، بالإضافة إلى التركيز على أعمال المصمّمين السوريّين، سواء المطبوعة داخل سورية أو خارجها، بهدف التعريف بنتاجاتهم. ويوثّق الثالث تاريخ الميديا، ومنها شارات المسلسلات والأفلام، والإعلانات المتلفزة، واستخدام عناصر التصميم الغرافيكي والخطّ العربي فيها. فيما يتوجه القسم الرابع والأخير نحو توثيق الطوابع في سورية، مع إبراز تاريخ تصميم الطابع واسم مصمّمه ومناسبة إصداره، وقد جرى تطوير هذا القسم بالاعتماد على الأرشيف الشخصي لكندة غنّوم التي جمعت طوابع على مدار أعوام عدّة.