منذ أن اندلعت الاحتجاجات في أميركا عقب مقتل جورج فلويد، وانتقلت هذه الاعتراضات إلى مدن مختلفة من أوروبا وكانت لندن من أكثر المدن التي عرفت التظاهرات والمسيرات التي نظمها السود في بريطانيا، وتوجه البريطانيون من أصل أفريقي بحملات وبيانات ضد المتاحف في البلاد، وخصوصا "البريطاني" وضد الجامعات مطالبين بتفكيك كولونيالية المتاحف والأكاديميا.
وقد أدى هذا الحراك إلى أن المتاحف والمؤسسات الثقافية بدأت في تقديم نفسها كمراكز مهتمة بثقافة وتاريخ السود والتعبير عن الهوية الأفريقية. المتحف البريطاني في الأشهر الأخيرة، وبعد أن تعرض للكثير من الانتقاد بسبب مقتنياته التي تعود إلى الحقبة الكولونيالية، ومن بين فعالياته التي يحاول من خلالها تقديم صورة مختلفة لاهتمام المتحف بتاريخ الثقافة الأفريقية، سلسلة محاضرات بعنوان "عصر الاسترداد".
من هذه السلسلة الندوة التي أقيمت أمس بعنوان "الأزياء كمقاومة وهيمنة"، وتحدثت فيها كل من كريستين تشيسينسكا، الباحثة المتخصصة في أزياء الشتات الأفريقي، وعارضة الأزياء يونيس أولوميد، والمصورة الفوتوغرافية أرامينتا دي كليرمون. وطرحت المتحدثات الثلاث سؤالاً حول الملابس والأكسسوارات وقصات الشعر، ما الذي يستعيده المنحدرون من أصل أفريقي عندما يتعلق الأمر بالموضة؟
تناولت كريستين تشيسينسكا بالتحليل والقراءة الأزياء التي ارتداها السود خلال المظاهرات، وبينت أنه كان بمثابة محاولة لاسترداد الشخصية السوداء، والظهور بالمظهر الأفريقي الطبيعي من حيث ترك الشعر من دون محاولة تمليسه واستعادة التسريحات التقليدية للمرأة الأفريقية، كالجدائل الرفيعة أو تسريحات شعر مخصصة للصيف الأفريقي الحار، تقوم فيها النساء بجمع شعرهن في كرات صغيرة متفرقة لاحتمال الحرارة، وقد بدأت الشابات البريطانيات من أصول أفريقية اليوم بالظهور بهذه الإطلالات.
تقول: "ما كان يرتديه هؤلاء الشباب والشابات فعلاً في الشوارع هو الكرامة، لقد كانوا يرتدون كرامتهم، اعتدادهم بهوياتهم السوداء، فالأزياء في هذا السياق، هي استعادة واستصلاح للشخصية الطبيعية للشكل الأفريقي".
كما توقفت عند شعارات مكتوبة على الملابس التي ارتداها المتظاهرون، مثل "في يدي الحرية التي أحضرها"، و"أحب تاريخي وثقافتي وشعبي ونفسي"، و"قل أسماءهم"، "حياة السود مهمة"... إلخ من الشعارات القوية التي حملتها الأزياء والتقطتها عدسات المصورين في العالم.
قارنت الباحثة بين ملابس السود المتظاهرين في السبعينيات وهذا العام، كان كثير من السود يرتدون البدلة الرسمية كتعبير عن الثقافة والتعليم في السبعينيات وهي أزياء أنيقة لم يكن يتوقعها المجتمع الأبيض من السود، أما في صور اليوم فأصبحوا يرتدون ملابس منشابهة في المظاهرات كما لو كانت الزي الرسمي لهم، وهي بدلة رياضة وقبعات متشابهة.
المصورة الفوتوغرافية أرامينتا دي كليرمون، تناولت تجربتها في تصوير الأزياء التقليدية في جنوب أفريقيا، حيث التقطت صوراً لنساء عاديات كن يعبرن عن شخصياتهن من خلال الأزياء، هناك من تريد الاحتفاظ بالصورة التقليدية للمرأة الأفريقية، وهناك من تريد حياة المرأة كما تظهر في المجلات الغربية، وأخرى معروفة بقوتها ولديها عملها المستقل وتلبس على هذا الأساس، مازجة الأقمشة التقليدية الأفريقية بالتصاميم المعاصرة، وهناك الأمهات الشابات اللواتي يرتدين ملابس البيت المريحة والأنيقة بألوانها الزاهية.
أما عارضة الأزياء يونيس أولوميد، فقد توقفت عند بداياتها حين التحقت بوكالة لعارضات الأزياء، وطلب منها إما أن تكوي شعرها أو أن تبدأ في ارتداء الشعر المستعار من أجل صورتها كعارضة، تقول "لم أفهم لماذا ينبغي ذلك، ولم أكن مستعدة، وقالوا لي إنه ضروري لنجاحي ألا أظهر بشعري الأفريقي، لكني رفضت وخسرت فرصة العمل في ذلك الوقت".
تتابع: "تابعت محاولاتي في البحث عن وكالة تتبناني، ودائماً كان هناك سبب لرفضي، لوني غامق زيادة عن المعقول، شعري مجعد وخشن أكثر من المقبول، لم يكن مظهري يعتبر جميلاً بالمقاييس الجمالية الأوروبية".
أخذ مسار أولوميد، وهي من أصول كاريبية، منعطفاً حين بدأت تعرض في أفلام وثائقية، وترتدي الملابس المصنوعة من نسيج أفريقي جرى الاستيلاء على صناعته في الحقبة الكولونيالية، وبدأت تعرض من أجل التعبير عن الهوية والاحتجاج والتذكير بضرورة الاعتداد بالثقافة الأصلية.