جرى اختصار الثورة التونسية في مجموعة من الأحداث والصور، ففي حين أنها بدأت في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010 في مدينة سيدي بوزيد احتجاجاً على الاعتداء البوليسي على بائع الخضر محمد البوعزيزي، ما نتج عنه إضرامه النار في جسده، فإن الحدث الرئيسي الذي بقي عالقاً بالأذهان هو تجمّع التونسيين في الشارع الرئيسي للعاصمة في 14 كانون الثاني/ يناير 2011، وفي مساء نفس اليوم ترك الرئيس زين العابدين بن علي الحكم وغادر البلاد، وبدا أن هذا المشهد يختصر كل الثورة.
بمرور عشر سنوات على تلك الأحداث، ظهرت سرديات كثيرة تحاول أن تعبّر عن نفسها باعتبارها هي الأخرى مربّعات صغيرة في الصورة الكبيرة، وينبغي الاعتراف بها. من هذا المنطلق، تنظّم "دار الثقافة باب سويقة" في تونس العاصمة معرضاً فوتوغرافياً حول أحداث الثورة، يوم السبت 16 كانون الثاني/ يناير الجاري.
لا يعتمد المعرض على تلك الصور التي جابت نشرات الأنباء في كل أصقاع العالم، بل هي تجمع أعمالاً متنوّعة لمدوّنين ومصوّرين ومواطنين شاركوا في كثير من فصول الثورة التونسية، من مواقع مختلفة، حيث يذكّر المعرض بأن المشهد الختامي لم يكن ليحدث لولا محطات كثيرة دارت وقائعها في مدن أخرى من البلاد مثل المتلوي وصفاقس والقصرين ومنزل بوزيان وقفصة.
يعتبر المخرج سامي التليلي أن الثورة التونسية بدأت في 2008
بالتوازي مع المعرض الفوتوغرافي، يقدّم "نادي سينما ناجي العليّ" عرضاً يليه نقاش للفيلم الوثائقي "يلعن بو الفسفاط" (2012) للمخرج سامي التليلي، وهو عمل يعتبر جزءاً من ذاكرة الثورة حيث عُرض بشكل موسّع كسينما شعبية متنقلة في فترة كانت تعرف زخماً ثورياً كبيراً، فكان العمل منطلق نقاشات عديدة حول معنى الثورة ودور العمّال فيها والقوة التي يختزنها المهمّشون، وبدا كأنه فتح موجة من الإبداع عبر الفيلم الوثائقي حين أظهر الطلب الجماهيري عليه.
قدّم المخرج التونسي ضمن شريطه أطروحة خاصة حين اعتبر أن الثورة التونسية بدأت في 2008، مع ما يُعرف بـ"أحداث الحوض المنجمي"، وهي حركة احتجاجات عمّالية موسّعة عرفها الجنوب الغربي التونسي في قطاع استخراج الثروات الطبيعية، ولولا القمع البوليسي المتعسّف لامتدّت نيران تلك الحركة إلى مناطق أخرى من البلاد وحاصرت نظام بن علي بشكل مبكّر.
تعتبر تجربة التليلي مع الأفلام الوثائقية إحدى أنضج المقولات الثقافية التي تبلورت في تونس بعد الثورة، على الرغم من كونه لم يقدّم إلا عملين، فإضافة إلى "يلعن بو الفسفاط"، قدّم في 2019 فيلم "ع البار"، وفيه غامر بإدخال الفيلم الوثائقي ضمن برامج قاعات السينما ونجح في استقطاب الجمهور، حين قدّم خيطاً سردياً يراوح بين تاريخ تونس السياسي خلال أقسى سنوات القمع في عهد بورقيبة (نهاية سبعينيات القرن الماضي)، ومحطات ترشّح المنتخب التونسي لكرة القدم إلى كأس العالم 1978.