جاؤوا من بعيد
تركوا كل شيء وراءهم
آخر الكلمات
آخر الوداع
ودَّعوا الحجر والرمل
وأصدقاءهم القدامى
رفعوا تلك الأيادي والأصابع النحيفة
لوّحوا بها واختفوا في الصحراء
رسموا خرائطهم بحذر
لا شرقاً ولا غرباَ
السير شمالاً
حيث الماء، الرعاة والرحل
وصلوا إلى مدينة الدار البيضاء
تعلّموا القليل من الكلمات
تسوّلوا بها،
أفارقة حملوا أحلامهم
وجلسوا ينتظرون يوم العبور الأخير
في طنجة
لون ماء البحر أزرق كحلي
لم يكن البحر، بحراً
كان البحر جسراً
كان معبراً لأحلاهم
عَبْرَ زوارق مطاطية
وما وراء الضفّة البعيدة جَنَّة
لم يكن يَتَقَدَّمهم إلى البحر نبيّ
ولم يأمرهم الرب بالخروج
قتلوا آخر شيء يملكونه: الخوف
التفاتة أخيرة إلى الوراء
قبل أن يُطيح الموجُ بأحلامهم
أمّا الآخرون حين يصلون
فحقنة في الوريد
أو رصاصة في الرأس
أو الموت برداً في إحدى حدائق إشبيلية الجميلة
صوتٌ صدَر مِنِّي، يَهمِس لحارسة خفر الساحل الإسباني
دَعيهم يدخلون فالمقبرة تَتَّسِعُ لنا جميعاً
لا وجوه لهم ولن تصير لهم وجوه.
*شاعر وأكاديمي مغربي مقيم في مدينة نيو أورلينز الأميركية