انطلاقاً من الزعتر البرّي والعكّوب وأعشاب الأرض بما تمثّله من تجذُّر في تراب البلاد، تُؤسّس صانعة الأفلام الفلسطينية جُمانة منّاع فيلمها "اليد الخضراء" (2022)، الذي تُتيحه منصّة "قافلة بين سينمائيات"، عبر موقعها الإلكتروني حتى بعد غدٍ الخميس.
في سرد يجمع التوثيقي بالروائي، يروي الشريط قضية الكفاح اليومي للمُزارعين الفلسطينيّين، بوجه ما يُسمّى "سلطات حماية الطبيعة" التي اختلقها الاحتلال الإسرائيلي، ليُصادر حقّ الناس في أراضيهم، من خلال قانون يمنع جمع الزعتر البرّي، فرضه عام 1977، ثم أردفه بآخر يشمل العكوب عام 2005، بحجّة حمايتها من الانقراض.
يُمكن وصف العمل بأنه تفكيك لـ سياسات الهندسة الاستعمارية، بما تتضمّنه من مراقبة للأراضي، وعزل منتوجاتها عن أصحابها الأصليين. خاصة بعد أن تتّضح الغاية من ذلك المنع الإسرائيلي، والتي تهدف إلى دفع الفلسطينيين لشراء ما تُنتجه المستوطنات الاستعمارية التي يزرعها كبؤر سرطانية.
تحضر الجغرافية الفلسطينية في العمل بقوّة، فالجبال والتلال والسهول المُغتصبة هي من أبطال الشريط لا شكّ. في حين يظهر من يُسمَّون "حرّاس البيئة" كشرطة أمنية هدفها المراقبة والمنع وجباية الغرامات من "المُخالفين"، ضمن سياق يدّعي فيه الكيان الاستيطاني بأنه يُمثّل "القيم الحداثوية" التي تضع البيئة في مركز اهتماماتها.
يُبرزُ الشريط (60 دقيقة) الوظيفة الاجتماعية التي تستبطنها مهمّة جمع هذه الأنواع من الأعشاب، ففضلاً عن دورها الغذائي الرئيسي على المائدة الفلسطينية، تقوم أيضاً بخلق علاقات اجتماعية بين القاطفين والقاطفات، وتعرّف الأهالي بعضهم على بعض ضمن مساحة طبيعية مفتوحة، وهذا أكثر ما يخشاه الاحتلال.
كذلك وظّفت منّاع (1987) في "اليد الخضراء" قضية المُحاكَمات التي يُروّع فيها الاحتلال الرجال والنساء والأطفال بلا تمييز، فقط لأنهم مسُّوا بالعكوب أو الزعتر، موضّحة أن هذه العشبة الأخيرة بالتحديد يُحاول نظام الفصل العنصري سرقتها واعتبارها رمزاً لكيانه.