في الثامن من أيار/مايو 1945 وقّع الألمان صكّ استسلامهم أمام الحلفاء؛ تاريخ يذكّر بانتهاء حرب كونية دامت قرابة ستّ سنوات، ذهب ضحيتها عشرات الملايين في أوروبا، وأدت إلى تغيير خرائط وحدود بلدان، وانقسام برلين إلى شطرٍ اشتراكي وآخر غربي حتى 1989، عام استعادة ألمانيا وحدة أراضيها.
حدثٌ ترك تداعياته مفتوحة حتى اليوم في سلسلة تحوّلات سياسية واقتصادية، وثقافية أيضاً، يضيئها معرض "برلين، 1945-2000: موضوع فوتوغرافي" الذي افتُتح في "غاليري الجهة الشرقية" بالعاصمة الألمانية منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، ويستمر حتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري.
يوثّق المعرض، الذي يشمل حوالي مئتي عملٍ لثلاثة وعشرين فناناً فوتوغرافياً، الحياة اليومية منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي، مروراً بالفترة التي سبقت بناء السور عام 1961، وطفرة البناء التي شهدها القسمان الشرقي والغربي، والثقافات الفرعية التي نشأت خلال أربعة عقود، وأنماط الحياة التي اختفت شرقَ المدينة خاصةً، وما حصل من تطوّرات بعد سقوط الجدار، وصولاً إلى قيام مشاريع التخطيط الحضريّ الكبرى التي حلّت تدريجياً محل بعض أطلال المدينة والمساحات الخالية بعد إعادة توحيد البلاد.
ويضيء المعرض على ظاهرة سمّيت حينها بـ"نساء الأنقاض"، وهنّ اللواتي قمن بإزالة آثار الحرب العالمية الثانية داخل مدن ألمانية خسرت كثيراً من رجالها الذين لقوا حتفهم أو تعرضوا لإصابات وإعاقات، واستمر عملهن الشّاق لعامين تقريباً، وأفضى إلى تشييد نصب تذكاري يخلّد جهودهن في مدن عدّة، وفق ما تبيّنه بعض الصور المعروضة.
يضمّ المعرض أعمالاً للمصوّرة سيبيل بيرغمان (1941 – 2010) التي اهتمّت بتسجيل التطورات في ألمانيا الشرقية لصالح عددٍ من وكالات الأنباء. وتوثق صورها بالأبيض والأسود يوميات الناس في الشوارع والأسواق والحدائق، إلى جوار صور شريكها وزوجها أرنو فيشر (1927 – 2011) الذي شارك كجندي في الحرب العالمية الثانية ووقع في الأسر إلى أن أُطلق سراحه عام 1946 وعاد للتدريس الجامعي أستاذاً للفنون، مكرّساً جلّ وقته لتصوير التحولات في مدينته برلين.
تُعرض أيضاً أعمال المصوّرة الأميركية نان غولدين (1953) التي عاشت في العاصمة الألمانية أربعة أعوام، وقدّمت صوراً تهتمّ بهوية البرلينيين الجنسية وتحوّلاتها في النصف الثاني من القرن العشرين، وأعمالُ مواطنتها ويل ماكبرايد (1931 – 2015) التي أمضت خدمتها العسكرية في الجيش الأميركي بعد تخرّجها من كلية الفنون في مدينة فورتسبورغ الألمانية، واهتمتّ بمواضيع الرقابة وحرية الشباب.
ويتضمّن المعرض صوراً للفنانة الألمانية إيفيلين ريختر (1930) التي وضعت أعمالاً تنتمي إلى تياري الدادائية والمستقبلية، وتناولت الطبقة العاملة بشكل يغاير مفاهيم الواقعية الاشتراكية التي كانت سائدة في ألمانيا الشرقية حينها، وصوراً لمواطنتها ماريا سيوتش (1960) التي ربطت في أعمالها بين سيرتها الشخصية وتحوّلات المجتمع الألماني.
أما المصور الألماني مايكل ويسلي (1963)، فقد توجّه في معظم أعماله إلى تقديم العمارة من خلال توثيق تاريخ المباني والساحات والميادين التي جرى تغيير تصميمها على مرّ السنين، ومشاهد رافعات البناء والإعمار بعد سقوط جدار برلين، بالإضافة إلى تصوير الزهور في الأماكن العامة. ويذهب المخرج السينمائي والفوتوغرافي ميرون زونر (1953) إلى توثيق الظواهر الاجتماعية المتطرّفة والاحتجاجات العبثية للفنانين وغيرها من الحراكات الثقافية التي ظهرت في برلين السبعينيات ثمّ اختفت.