منذ بدايات الفلسفة والعلاقة بينها وبين الأدب تثير الكثير من الأسئلة؛ أسئلة بدأت مع أفلاطون الذي عُرف بسعيه لتمييز اشتغالهم الخطابي عمّا يقوم به الشعراء، واستمرّ في الفلسفة الإسلامية مع ابن رشد والفارابي، وصولاً إلى الأنوار التي اختلط فيها مفهوم الفيلسوف بمفهوم الأديب، لنشهد تجارب تجمع بين العالمين، بحيث لا يمكن تمييز أحدهما من الآخر، كما هو الحال عند جان جاك روسو ودُني ديدرو.
على أنّ هذا النقاش عاد في القرن العشرين وأخذ ملامح جديدة، خصوصاً مع تحوّل الفلسفة من "المقارعة" للأدب إلى مواجهتها للعِلم وصعوده إلى أعلى المراتب التي يمكن الخطاب أن يصل إليها. رغم ذلك، بقي الأديب حاضراً كقرين للفيلسوف، بل إن كثيراً من الفلاسفة عاشوا تجربة الكتابة الأدبية، وليس جان بول سارتر إلّا واحداً من أبرز هذه الأسماء في القرن الماضي.
ليس من المعروف عن مواطِن سارتر، هنري برغسون، كتابته الأدب، لكنّ الفيلسوف الفرنسي عُرف بنقده لتقوقع الفلسفة داخل عالم منطقيّ، وبدعوته إلى أن تكون أكثر انفتاحاً على أساليب تعبيرية جديدة، حيث بدا الشاعر والفنّان، بالنسبة إليه، المثال الأعلى لِمَن يريد الاشتغال في التعبير عن الواقع باللغة.
في كتابه "هنري برغسون، حائز نوبل للآداب"، الصادر حديثاً لدى منشورات "فيردييه" الفرنسية، يعود الباحث في الفلسفة والأدب برونو كليمُن إلى مقولة برغسون هذه، التي يرى أنها لم تأخذ حقّها من التحليل والقراءة، خصوصاً أنها تتعلَّق برؤية الفيلسوف إلى الفلسفة، وبالتالي فإنها ذات صِلة بكلّ ما كتبه من أعمال. وليس التذكير في عنوان الكتاب بنيل الفيلسوف الفرنسي لجائزة "نوبل" (1927) إلا رغبةً في إعادة فتح النقاش على علاقة صاحب "الضحِك" بالأدب.
يتألّف كتاب برونو كليمُن من أربعة أجزاء موزّعة على فصول يحتوي كلّ منها على العديد من المقالات، ويحمل كلّ واحد من الأجزاء عنواناً مقتبساً من برغسون، وهو يقدّم في بعض الفصول أطروحات جديدة حول الفيلسوف الفرنسي، مثل قراءته لاعتقاد برغسون بفعالية الخطاب السردي مقارنةً بالخطاب المفهومي (الجزء الثالث)، أو مثل دعوته الفيلسوف إلى التفلسف بوصفه شاعراً أو كاتباً (الجزء الثاني).