البوّاب مو
يردد مو دائماً sié sié. والعبارة تعني شكراً، باللغة الصينية، حسب غوغل. ينحدر مو من المنطقة المستقلة نينغشيا هوي. دفعه ألبوم تان تان في التيبت إلى الهجرة السرية نحو بلجيكا. وسبّب له الألبوم العشرون لهيرجي مشكلة حقيقية. لنكن صرحاء: المشكلة سياسية. كان سؤال وحيد وبسيط يؤرق مو: لماذا يجرجر السيد هيرجي طفلاً في أماكن غير آمنة؟ إنه يقيم في بلجيكا منذ 5 سنوات، ولم يجد جواباً شافياً لهذا السؤال. في بيغ آبل إلكترونيك، لا نعرف إذا كانت هذه sié sié موجّهة إلينا، إلى الجيران، إلى تان تان، إلى هيرجي، أو إلى بلجيكا. مو ممّن يُعوَّل عليهم. تريد أن تشتري علبة تبغ، مو رهن الإشارة. تريد بيتزا، مو يحضرها بسرعة البرق. تريد حبر الطابعة، مو يجسّدها في الحال. مو تعوّل عليه ليل نهار.
موقف الفتاة ذات الشعر الأحمر تجاهه غير مفهوم. فتان تان صديقه. ميلو أمين أسراره. وبالمناسبة، فهو لا يفهم سرّ انحراف هذا الكلب اللطيف. ميلو يفرط كثيراً في الشرب. لديه شهية زائدة للكحول، ولا سيّما ويسكي لوش لوموند. إنه مدمن. لا ينقصه سوى الالتحاق باجتماعات المدمنين المجهولين.
مو لا لا يتخيل أمين أسراره معترفاً: - مرحباً، اسمي ميلو، أنا كلب تان تان، وأنا مدمن. استعداء جميع الحيوانات على ميلو أمر هيّن، والمقصود بالحيوانات: الأفعى، الجاموس، النسر الأميركي، السلطعون، الغوريلا، القنفذ، البقرة، الببغاء... إلخ، لكن سقيه الخمر فضيحة مجلجلة. يفكّر مو أيضاً في تشانغ الغريق. يطرح سؤالاً آخر بسيطاً وسخيفاً: لماذا هذا السيد هيرجي يذهب إلى التيبت، الكونغو، وأرض الذهب الأسود.
في كل مكان توجد فيه المتاعب. إنه ليس تان تان. هيرجي مجرّد حكواتي. البطلان الحقيقيان هما تان تان وميلو. يشرب مو الشاي الأخضر ويأكل البطاطس المقلية بصلصة الإيولي طوال النهار، 6 فصوص ثوم، صفارَي بيض، كوب زيت الزيتون، وملعقتين كبيرتين من عصير الليمون والملح والبزر الأسود. في الليل يقضم بسكويت سبيكولوص وشوكولاتة ليونيداس، ويشرب أيضاً الشاي الأخضر.
تحبّه الملائكة جداً، يجعلها تتلوى على الأرض من شدة الضحك عندما يتحدث عن تان تان وميلو والفتاة ذات الشعر الأحمر التي لا تكلّف نفسها عناء النظر إليه. السؤال الذي يعذبهما معاً: sié sié موجهة إلى مَن؟ ماو، تان تان، ميلو أو الفتاة ذات الشعر الأحمر التي يحبّها سراً. وفي رأيي المتواضع، حتى جيل دولوز وكلير بارني، في هذه اللحظات العصيبة، لن يستطيعا الجواب.
■ ■ ■
ميلو
لا، فلا، ثمّ لا، يكرّر ميلو. لنتخيل أنني توقفت عن الشرب. مجرّد افتراض، طبعاً. يعرفني ملايين القرّاء، لكن أحداً لم يهتم في يوم من الأيام بصحّتي العقلية. مو، نعم. يمكنني القول إنّ مو الشخص الوحيد الذي يحبّني فعلاً. هادوك لم يتساءل عمّا إذا كنت حقاً أحبّ الويسكي. مو يعرف أنني مستعد للموت من أجل قطرة واحدة من بيرة، الليف مثلاً. لنتحدث عن البيرة. كيف يفرض عليك مؤلف يعيش في بلد الألف بيرة وبيرة شُرب الويسكي؟ هذه حماقة.
أنا كلب ناطق. لكن بالنسبة إلى خالقي، أنا أتكلّم فقط عندما أكون في أميركا، كما لو كنّا في بلجيكا، في جمهورية موز. بخلاف ذلك، مو صاحب رؤيا. فهو الوحيد الذي يعرف أنه قبل حياة المدمن التي أعيش برفقة تان تان، كان لديّ حياة أخرى. نعم، حياة طبيعية. إنها مختلفة عن الحياة العادية للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، لكنها حياة على أي حال، حياتي أنا.
كنت أقيم في سكاربيك، بالقرب من ليهال. كانت حياتي هادئة داخل أُسرة طنجاوية جعلتني أستمتع بأطباق البسطيلة بفواكه البحر، الكسكس بسبعة خضار بعد صلاة الجمعة، حلوى كعب الغزال، والشاي الأخضر بالنعناع وزهر البرتقال.
صحيح أنني مزاجيّ، سريع الغضب، وفوضوي. لكن هذا ليس سبباً يستدعي اغتيابي وأكل لحمي
عندما كانت الزوجة والأولاد يسافرون إلى المغرب، كنّا نعبّ البيرة عبّاً. هذه الأيام، لا أحد يهتم بأصولك. كنت أيضاً جار ريفال قبل أن يقتحم مجال الهيب هوب. كان يقدّم لي كفتة سردين بصلصة طماطم، لا بأس بها، لا بأس بها. يقدّس الناس الفعل. مو يفهمني تماماً. أنا ومو وجهان لعملة واحدة.
نتحدث غالباً عن المطر والصحو والبطاطس المقلية وأنواع الصلصة، "أفكار ليلة هادئة" للشاعر الصيني لي باي. عندما يقرأ مو "أشعة القمر تضيء أمام سريري/ ظلال شك على أرض الصقيع؟/ أرفع رأسي متأملاً سطوع القمر/ وأميل رأسي متذكّراً مسقط رأسي"، تغرورق عيناي بالدموع لأنني كلب حسّاس. ما لا يعرفه القرّاء أنني إلى جانب الفرنسية والهولندية والعربية والألمانية والإنكليزية، أتحدث الصينية بفضل تشانغ تشونغ جين.
أنا إنسان يحبّ الحياة. سيجلب لي مو سراً حلوى كعب الغزال والشاي بالنعناع وبيتزا النقانق المغاربية عندما يكون لديّ أصدقاء. لا أدعو أبداً الكابتن هادوك إلى منزلي. هادوك ملك النّحس، علاوة على ذلك، لا أتحمل ضعف ثقافته العامة، وشتائمه السوقيّة "يا أولاد ... "، " يا عصابة..."، " يا محار الكعك"، "باتشي بزوق" و"لوغاريثم"... إلخ. هذا يشعرني بالغثيان.
مو يدهشني. مثقف، عاشق سينما وإنسان نبيل. كل من الرئيس، كيم، أبوليناريا، عبد القادر، الفتاة ذات الشعر الأحمر، ضعيف البصر، والجيران يجهلون من هو مو وما يمكنه فعله. للأسف، تنحصر ثقافتهم في عدد قليل من أفلام بروس لي. وهذا محزن جداً.
■ ■ ■
هادوك
أقلعت عن شرب الكحول. أحجّ كل عام إلى مدينة لورد الكاثوليكية ماشياً على ركبتيَّ. عندما أفكر في تان تان والبروفيسور تورنوسول، أشكر الله أنني نجوت بحياتي. كنّا مجانين في تلك الأيام. حكايات الروس والعرب والمصريين والأميركيين كانت تثير غثياني. ميلو مزعج. يتكلم دائماً عنّي بالسوء. أنا متأكد من ذلك. ابتسامته الصفراء لن تخدعني. لكن أنا هادوك يا من لا يعرفه.
صحيح أنني مزاجيّ، سريع الغضب، وفوضوي. لكن هذا ليس سبباً يستدعي اغتيابي وأكل لحمي. ميلو ناكر للجميل. نسي أصدقاءه هؤلاء الذين كانوا يساعدونه ويدفعون ثمن مأكولاته ومشروباته. ومع ذلك لا يقسم إلا باسم البواب مو. لن أطأ ثانية هذا المبنى القذر. لست ناقداً أدبياً متحذلقاً. أنا بحّار حقيقي بدون عاهرات أمستردام أو بكين أو برازافيل أو نيويورك.
النقد سهل، لكنّ الصدق أصعب. أكون جذّاباً في الزي الأزرق. يجنّ الرفاق في مركز مدمني الكحول المجهولين تماماً عند رؤيتي، ظنّاً منهم أنها مداهمة للشرطة. في الحقيقة، لم يكن أغلبهم بريئاً. حكيت لهم مغامراتي وحدي في شبه الجزيرة العربية، الأردن، كوريا الشمالية، البوسنة، فلسطين، الفيليبين.
بلا تان تان، سئمت أن أكون تحت وصاية صبيّ يتلقى تعليمه طوال الوقت من شخص يرى الأبيض في كلّ مكان. أرى الأبيض في كل مكان أيضاً. إلا أنني كنت أرى الملائكة وليس الثلج اللامتناهي. تعرفني الملائكة جيداً، ضعاف البصر بالتحديد. هم لا يضايقونني، وأنا لا أضايقهم. لكن تحت سقف واحد، أطفالي يضايقونني. أرادوا إيداعي مستشفى المجانين. إنهم المجانين. هادوك لا يحصل على حقوق التأليف والنشر. ليس مليارديراً. بل يعيش مما يجود به المحسنون.
حسناً، لم يفهم أطفالي ذلك قَطّ. يتصرّف الأبناء بغرابة وأنانية حالما يصيرون أزواجاً. لحسن الحظ، الدكتور تورنوصول كان موجوداً. بفضل خبرته في مجال القضاء، تمكّنت من إنقاذ نفسي. بعد طيّ هذه الصفحة، هادوك شخص جديد، طاهر وخليّ البال. بالإضافة إلى حرماني شرب الويسكي، كنت سأتعفن في مستشفى المجانين. بعد مشاهدتي "الطيران فوق عش الوقواق"، أقسمت ألّا تطأ قدمي ملجأً أبداً. أحب هادوك "القيادة".
سيجعلني الملجأ أجنّ إلى الأبد. الجنون العادي يثير غضبي. الزواج حماقة ضرورية. ندفع ثمنه باهظاً أحياناً. هادوك منفصل. ويعتزم البقاء كذلك. وليست سهرات ميلو السخيفة التي ستغيّر رأيي. هادوك يحب رفقة الفتاة ذات الشعر الأحمر هاته العاملة في مكتب ميلو.
الفتاة ذات الشعر الأحمر نفسها تتجاهل جميع الذكور على الكرة الأرضية. إنها لا تفارق أبداً الرجل ضعيف البصر الذي أجهل اسمه. أنت تتحدث عن الكابتن زير النساء. ولا أزال دائماً الكابتن. كابتن يحظى باحترام كبير حول العالم. كابتن أنهى خدمته. حسناً. لقد أفرغت ما بجعبتي.
■ ■ ■
تان تان
أنا تان تان الشهير، في السابعة والسبعين من عمري، ما زلت أتدبر أموري بشكل مقبول، انتقلت من عمارة ميلو. إنه دائم التذمر بخصوص حقوق تأليفه. حقوق المؤلف ليست ديدني. رغم أنّ ديدني هو الشاي بالنعناع. حقوقي أتركها لوكيل أعمالي، روبيرت سيكسي. ذهبت للعيش مع عائشة، منذ عدة سنوات، ابنة المرأة العربية في "العبيد الأفارقة" من الألبوم التاسع عشر. ورغم أن هيرجي أبعد النساء عن مغامراتي، فإني رجل فحل أيضاً.
هم لا يضايقونني، وأنا لا أضايقهم. لكن تحت سقف واحد، أطفالي يضايقونني. أرادوا إيداعي مستشفى المجانين
ولا معنى للمغامرة من دون فتيات. كنت أحتال لأمنح معنى لحياة المغامرة التي أعيشها. تان تان يعشق النساء. ماذا ستتخيلون؟ سأبقى العازب العجوز برفقة تشانغ، زورينو، وعبد الله. قبل عائشة، عرفت مغامرات نسائية عجيبة مع أولغا، الراقصة مع الدببة، زهاو، كارمن، ومليكة وغيرهن... من حق تان تان أيضاً قضاء وقت ممتع. إنه ليس هنا لمجرّد الاستعراض. أنا زير نساء، نعم! أحب مغازلة الفتيات. الجميلات، البشعات، البدينات، النحيفات أو النحيفات المزيفات، الشابات، المسنّات.
تان تان لا يستحي في ما يتعلق بالاستمتاع بالحياة. لست عبداً لهيرجي. هو يمثل دوره، وأنا أيضاً. لا أحب الكشفية. أنا إنسان حرّ. في نظر الجميع أنا إنسان مغرور. نعم، يركبك الغرور بمجرد أن تصير مشهوراً. أعبد المال. حسناً، ربما صدمكم كلامي، لكن لا بأس. كان هذا حلمي الدائم. الثراء أمر جيِّد. إذا كبرت وترعرعت في ميلبيك ستفهم جيداً ما أقول. ليس مسلياً أن تكون شاباً بلجيكياً ينحدر من أصول عماليّة فقيرة.
لحسن حظي، وقعت على هيرجي. لم نكن متّفقين تماماً. لكن هيّا. لن تبصق على الدجاجة التي ترزقك ذهباً. لحلّ هذه المفارقة، عشت حياة مزدوجة رائعة. سلوكي لا يزعج أحداً. كان لهيرجي ألبوماته، ولي مغامراتي، وللجمهور حكاياته. التقيت زوجتي عائشة في السعودية. إنها ابنة أمير، تعرفت إليها عبر الهاتف. بعد عشاء فاخر في بيت أبيها، دسست بطاقتي بين أرائك الصالون. كنت شاباً حينها، ولم أدرك خطورة ما أقدمت عليه.
كنت قد قرأت مقالاً عنها في مجلة أميركية مشهورة. أُغرمنا ببعضنا بجنون عبر الهاتف. كان صوت عائشة ملائكياً. عندما التقينا سراً، وقعنا في الحب من النظرة الأولى. وبما أن القوانين في بلادها تمنع الزواج من الأجانب، هربنا على متن سفينة هادوك. وللمرة الأولى، أبان هادوك السكير عن شجاعة نادرة. لم يتوقف عن اتهامي بأنني سأوقعه في ورطة كبيرة، أنت لم تجد سوى أميرة عربية للمتعة... إلخ. لم يكن هادوك يعرف أنه الحب الأول والأخير في حياتي. لم يكفّ هادوك عن رؤية الملائكة في الحجاز ومكة.
الآلاف من الملائكة التي كانت تحلّق في كل مكان. شرحت له أن ذلك مستحيل. نحن في أرض إسلامية مقدسة. لا يمكن ملائكتَنا الحصول على تأشيرة. نعم، حتى الملائكة هناك بحاجة إلى تأشيرة. بسبب هذه القصة شعرت ببعض القلق على مصير قصة حبّي الرائعة. في البيت، تحب عائشة أن أحضّر لها فطائر العسل الصغيرة في الصباح. لا تزال تتصرف كأميرة حتى يومنا هذا. وأنا أحبها لذلك. الشهرة بجوارها ليست شيئاً. تبرّأت منها عائلتها، وأصبحتُ برفقة جيران الحيّ عائلتها الكبيرة. أقيم الآن في مالبيك بدافع الإخلاص. بالطبع، يمكنني تحمّل تكاليف العيش في أي مكان، حتى على سطح المريخ.
لكن عائشة تفضل أن تكون بالقرب من أناس يذكرونها قليلاً ببلدها البعيد. وهذا ليس بالأمر السهل. كما ليس ممتعاً أن تكون مسلماً في أوروبا. نحن لا نهتم، نعيش حياتنا. في البداية، كنت منزعجاً بعض الشيء، لكن الآن تبدو الأمور طبيعية بالنسبة إليّ.
في الحقيقة، هذا هو الاختيار الوحيد الذي يغفره لي ميلو. يحب ميلو عائلته الطنجاوية القديمة. زواجي يجعل الناس دائماً يتحدثون. صحافيون ونقاد ورسامو الكاريكاتير وعامة الناس. يُعامل تان تان كنجم سينمائي. لا يحق لتان تان التمتع بحياة خاصة.
أنا إنسان مثلكم. لدي الكثير من الحسّاد والحاقدين. الأمر عادي، ما يهمّ اليوم أنني عجوز سعيد.
* ترجمة عن الفرنسية: ميشرافي عبد الودود
بطاقة
جلال الحكماوي شاعر من مواليد الدار البيضاء يكتب بالعربية والفرنسية. من أعماله الشعرية: "شهادة عزوبة" (1997)، "اذهبوا قليلاً إلى السينما" (توبقال، 2006)، "ما لم أقله لآل باتشينو"، (مالستروم، بلجيكا، 2013)، "Perfect Day" (بيت الشعر البلجيكي، 2017 ومنه القصائد المترجمة هنا). من ترجماته إلى العربية: "أرض مُطْلَقة"، لـ لوران غاسبار، و"أقبلا من الشمال: رامبو وفان غوغ" لـ فرانسواز لالاند، وغيرها.