مع الجائحة التي هزّت العالم هذا العام، ظهرت الكثير من أنماط السلوك الجديدة، من أبرزها المفارقة بين الدعوة إلى التباعد الاجتماعي والدعوة إلى ضرورة التضامن والتعاون الإنساني، وقد كان للتكنولوجيات الحديثة دورها في ترتيب هذه المفارقة وسدّ الفجوات ضمنها. تركّز الحديث على أنماط السلوك التي تبرز في دائرة الضوء مع المستجدّات العالمية تدعو دائماً المفكرّين إلى فحصها من جديد.
ذلك ما يقترحه عالم النفس الفرنسي بوريس سيرولنيك في محاضرة افتراضية بعنوان "التعاون، ثم ماذا؟" يلقيها مساء اليوم بدعوة من منظمة "ميتروبول إيدانت" الفرنسية، والتي تُعنى بتطوير آليات التعاون الاجتماعي.
تقوم مقاربة سيرولنيك على مجال تخصّصه في علم النفس، حيث يوضّح أثر التعاون في بناء مجتمع، ليس ضمن الظروف الاستثنائية كما هو الحال اليوم مع فيروس كورونا المستجدّ، بل بشكل عام، حيث أن هذه القيمة متأصّلة في المجتمعات، وهو ما تبرزه دراسة التجمّعات البدائية. رغم ذلك لا يبدو موضوع التعاون حاضراً في العلوم الإنسانية والاجتماعية بشكل واضح، فقلّما أخذه الباحثون على محمل الجد.
يعدّ سيرولنيك من أكثر الباحثين اقتراباً من مشاغل الحياة اليومية، حيث يوظّف الأجهزة المفاهيمية لعلم لنفس والطب والفلسفة والدراسات الأدبية والثقافية في قراءة ظواهر اجتماعية ونفسية بسيطة وملموسة لدى جميع الناس، كما يعتمد بشكل بارز على تجربته الشخصية، حتى أن بعض النقاد كثيراً ما أشاروا إلى أن قراءة مجمل كتاباته البحثية أشبه بقراءة سيرة ذاتية على حلقات.
من أبرز مؤلفاته: "ذاكرة قرد وكلام إنسان" (1983)، و"ولادة المعنى" (1991)، و"التغذية العاطفية" (1993)، و"الإنسان، العلم والمجتمع" (2003)، و"السيرة الذاتية لفزّاعة" (2008)، و"الأنفس المجروحة" (2014). كما صدرت له مجموعة من الكتب الثنائية مثل: "الانسحاب" مع عالمة التربية ماري آنو، و"حوار حول الطبيعة البشرية" مع عالم الاجتماع إدغار موران.