ما يقرُب من ثمانين عاماً هي عدد السنوات التي يُلخّصها المعرض الفوتوغرافي "بيروت 1840 - 1918 صُور وخرائط" المُقام حالياً في "بيت بيروت" (أحد متاحف العاصمة اللبنانية)، ويتواصل حتى الثامن من الشهر المُقبِل؛ بهدف إضاءة حقبة من تاريخ البلاد تمتدّ حتى نهاية الحُكم العثماني فيها.
ويعود سبب اختيار العام 1840 مُنطلَقاً للمعرض، لأنّ فيه تمّ التقاطُ أوّل صورة شمسية في لبنان، والتي أخذها الرحّالة الفرنسي فريديريك فيسكه لقصر الأمير فخر الدين المعني الثاني.
يتضمّن المعرض 300 صورة تحمل توقيعات رحّالة ومستشرقين مُختلفين، تُعطي في عمومها نظرة عميقة عن واقع المدينة اجتماعياً وعمرانياً، وبالتالي يجدُ الزائر نفسه أمام مادّة معرفية لفترة مَرجعية وتأسيسية من تاريخ "بلاد الأَرْز" السياسي، وليس أمام أعمال ذات أبعاد جمالية وفنّية فقط.
وإلى جانب الصور تحضر الخرائط أيضاً، والتي استُخرجت في معظمها من كتاب يعود إلى القرن السادس عشر بعنوان "البحرية"، ويضمّ مجموعة مخطوطات عثمانية رسمها الرحّالة بيري ريس، وتظهر فيها خطوط وتفاصيل الساحل السوري قديماً، بالإضافة إلى خريطة من العام 1863 تُظهر المخطّط القديم لمنطقة المرفأ.
وصحيحٌ أن الصور ترجعُ بنا إلى زمنٍ مضى، إلّا أنّها تفتح على مشهدٍ آخَر، يمكنُ لنا أن نصفه بأنّه خفيّ إلى حدّ ما، مشهد يعجّ بالمستشرقين الذين سخّروا التقنية الجديدة (التصوير الفوتوغرافي)، من أجل جمع أكبر قدر من المعلومات عن بلاد طمعوا فيها، وحاولوا غزوها واستعمارها.
يُشار إلى أنّ الصور التي التُقطَت في مراحل متأخِّرة تنعكس فيها جوانب أكثر مأساوية من الصور الأقدم، حيث يُضيء بعضها مرحلة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، وما رافقها من مظاهر اجتماعية.
لا شكّ في أنّ معالم كثيرة قد تغيّرت عبر تاريخ المدينة، لكن يبقى أهم ما تُتيحه الصور المعروضة هو تلمُّس بواكير الحداثة، وهذا الجانب يظهر عبر تفاصيل عمرانية متُنوّعة تُمكن ملاحظتُها مثل المستشفيات والمدارس والمباني الحكومية والإدارية ومجمّع الحَجْر الصحّي المعروف باسم "الكرنتينا"، والذي يقع قرب المرفأ.
الجدير بالذكر أنّ المعرض كان قد شهد نسخة أولى منه ، خلال العام الماضي، في "متحف نابو" بمنطقة الهري شمالي لبنان، ومن المُقرّر أن يقوم المنظّمون بجولة جديدة تضم مناطق مثل البقاع والجنوب.