في مجمل مدوّنته الممتدّة على نحو خمسة عقود، لم يتوقّف سيغموند فرويد، عن العودة إلى الفنون والآداب بوصفها موضوعاً للتفكير النفسي وللإضاءة على الآليات التي تستقيم وفقها النفس البشرية.
في هذا السياق، جاءت كتابات مؤسّس التحليل النفسي (1856 ــ 1939) حول شعراء وكتّاب مثل فيلهلم ينسين أو فريديريش فون شيلر، وحول فنّانين مثل مايكل آنجلو الذي عُرف صاحب "قلق في الحضارة" باهتمامه الكبير بتجربته وسيرته.
في محاضرة ينظّمها "متحف فرويد" في لندن عند السادسة من مساء الإثنين المقبل، تحت عنوان "فرويد، فاغنر ورايك: من الشعور بالخلود إلى أوديب"، يعود الباحث توم دي روز إلى علاقة فرويد بالموسيقى، التي تُعَدّ من الفنون القليلة التي لم يولِها المحلّل النفسي اهتماماً كبيراً.
ويشير الباحث في تقديمه للورقة التي سيقرأها إلى أنه من "المعروف أن فرويد أبدى نفوراً من الموسيقى طيلة حياته"، في موقف يصف دي روز بـ"المفاجئ" من مفكّر وعالم لطالما اهتمّ بالتعبيرات الفنية بوصفها تصعيداً للرغبات الفنسية الدفينة أو المكبوتة.
ويتّخذ المحاضِر من المؤلّف الموسيقي الألماني ريتشارد فاغنر مثالاً على علاقة فرويد بالألحان، حيث أظهر الأخير رفضاً للنمط "الغامض" من الموسيقى، ذاك الذي بدا له "غير عقلاني" وبعيداً عن أيّ قدرة على التعبير عن خوالج النفس؛ أمرٌ لا ينطبق على الأعمال الموسيقية التي تتضمّن كلاماً، مثل بعض مقطوعات فاغنر.
كما يستند دي روز إلى اشتغالات أحد تلامذة فرويد، المحلّل النفسي النمساوي، ثيودور رايك (1888 ــ 1969)، من أجل فهم النظرة التحليل ـ نفسية إلى الفن، حيث عُرف رايك بسعيه إلى فهم التجربة الموسيقية من وجهة نظر نفسية، ولا سيما في كتابه "اللحن المؤرق: تجارب تحليل نفسية في الحياة والموسيقى"، الذي حاول فيه أن يتجاوز تجاهل فرويد للموسيقى عبر منحها دوراً داخل ما يُعرَف بعقدة أوديب.