بعد دورة أُولى أقيمت في مدينة طبرقة نهاية العام الماضي وتناولت موضوع "رواية الثورة وثورة الرواية"، خصّصَت ندوةُ "احتفائية الرواية التونسية" دورتَها الثانية، التي انطلقت أوّل أمس الجمعة في مدينة المنستير وتُختتم اليوم الأحد، لموضوع "الرواية والعامّية".
موضوعٌ تعزو آمال مختار، مديرة "بيت الرواية" المُنظِّمة للتظاهرة، اختياره للنقاش في الدورة الجديدة، إلى كونه بات ظاهرةً لافتة في السرد التونسي بشكل عامّ والرواية بشكل خاصّ، مُشيرةً إلى أنّ استخدام العامّية في الأدب التونسي بدأ خلال فترة ما بين الحربَين العالميّتَين، والتي شهدت ظهور تجارب حاولت الخروج عن القيَم الثابتة، ومن ذلك "جماعة تحت السُّور". سيتكرّس هذا الاتّجاه بعد الاستقلال مع كتّاب مثل البشير خريّف (1917 - 1983)، قبل أن يشهد موجة ثالثةً بعد ثورة 2011 وانتشار مواقع التواصُل الاجتماعي.
في مداخلته، رأى الأكاديمي محمّد القاضي أنّ الكتابة بـ العامّية التونسية لا تندرج ضمن تقليد أدبي راسخ، مُضيفاً أنّ الجماليةَ هي المعيار الأوّل للحُكم على أدبية ما يُكتب من روايات بالعامّية. غير أنّه ربط بين انتشار هذه الكتابات وظهور جمهور من القرّاء ذي خلفية ثقافية متواضعة، يفضّل نصوص اليوميات القريبة منه ويرى في الأدب مجرّد تسلية.
من جهته، فسّر الباحث الهادي الجطلاوي، الذي اشتغل على عددٍ من النصوص المكتوبة بالعامية، توجُّه البعض لكتابة روايات بالعامّية بكونها سهلةً وفي المتناوَل، متسائلاً إنّ كانت العامّية جهازاً لغوياً يمكن الاعتماد عليه في كتابة نصّ سردي، مُضيفاً أنّ اللغة الفُصحى هي الأقدر على هذه المهمّة، لكنّها لا تحتكر القدرة على التبليغ والتأثير، و"يمكن أن تكون إطاراً تنضوي فيه العامّية"، ليخلص إلى اعتبار هذا التوجّه "موضةً لن تستمرّ طويلاً".
أمّا الشاعرة نبيهة العيسى، فأشارت إلى مسألة ترجمة النصوص المكتوبة بالعامّية؛ قائلةً إنّ هذه النصوص تفقد جزءاً كبيراً من طاقتها التعبيرية عند محاولة نقلها إلى الفُصحى أو إلى لغات أُخرى، وهو ما يجعل منها "أدباً محلّياً"، وفق تعبيرها، بينما رأت الكاتبة والأكاديمية رفيقة البحوري أنّ العامّية، وعلى خلاف الفُصحى، تتميّز بالتحوُّل وعدم الثبات، وهو ما يُفقد ما يُكتب بها القدرة على الاستمرار.