يُمكن القول إنَّ أبرز ما حدث في 2021، على الصعيد الثقافي الجزائري، هو ما لم يحدث أساساً. باستثناء "المهرجان الوطني للمسرح المحترف"، الذي نُظّمت دورته الرابعة عشرة في آذار/ مارس الماضي بعد سنتَين من الانقطاع، واصَل عددٌ غيرُ قليل من التظاهُرات الثقافية غيابه للسنة الثالثة على التوالي؛ وأبرزُها "المعرض الدولي للكتاب"، و"المهرجان الدولي للمسرح المحترف"، و"مهرجان وهران للفيلم العربي"، و"مهرجان عنّابة للفيلم المتوسِّطي"، و"المهرجان الدولي للفيلم الملتزِم".
جميعُ تلك التظاهُرات تُقام بإشرافٍ ودعم من وزارة الثقافة. أمّا استمرارُ غيابها فسبُبه المفترَض هو الوضع الوبائي الذي لا يتحسَّن إلّا ليتدهور مرّةً أُخرى، وإنْ كانَ القائمون على معظمها لم يُعلِنوا عن تأجيلها، مثلما هو الحال بالنسبة إلى مهرجانَي وهران وعنّابة اللذين توقّف الحديثُ عنهما منذ 2018.
في مقابل ذلك، لم تخلُ مفكّرة وزارة الثقافة مِن الفعاليات الصغيرة التي استمرّ تنظيمُها طيلة أشهر السنة؛ ومِن ذلك ما سمّته "افتتاح الموسم الثقافي 2021/ 2022" في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، والذي شهد حضوراً رسمياً كبيراً، واستمرّ لأيّام أُقيمت خلالها عروض مسرحية وموسيقية ومعارض فنّية، لكنْ مِن دون أنْ تُعرَف طبيعة ومضامين هذا "الموسم الثقافي" مِن الأساس.
مقترحات ومشاريع قوانين لم تجد طريقاً إلى التنفيذ
بعيداً عن تظاهُرات وزارة الثقافة التي تُهيمن على المشهد، جرى أيضاً، هذا العام، تأجيل الدورة السابعة من تظاهُرة "احكِ فنّاً" التي تُقام في ولاية تيزي وزّو، وهي واحدةٌ من التظاهرات الثقافية المستقلّة القليلة في الجزائر (تأسّست عام 2004).
وقبل ذلك، نظّمَت الوزارة في نيسان/ أبريل ما أطلقت عليه "المنتدى الثقافي الاقتصادي الأوّل"، بمشاركة من وُصفوا بالخبراء في مجالَي الثقافة والاقتصاد، وقالت إنه يهدف إلى "بحث آليات تمويل الاستثمارات الثقافية، بغية إشراك الثقافة في التنمية المحلّية". بعد ثلاثة أيّام تحدّث المشاركون فيها عمّا ينبغي تحقيقه للقطاع، أعلنت وزيرة الثقافة السابقة، مليكة بن دودة، في ختام المنتدى عن مجموعة من القرارات؛ من بينها إنشاء مدينة سينمائية في مدينة تميمون، ومركّبَين سينمائيَّين في الجزائر العاصمة ووهران، ومدرسة للسينما في قسنطينة، وأكاديمية في تيزي وزّو، ومنصّة إلكترونية سينمائية، وأُخرى للفنّ التشكيلي.
باستثناء إطلاق منصّة للفنّ التشكيلي نهايةَ الشهر نفسه باسم "لوحتي"، لم يجرِ تنفيذ بقية القرارات إلى الآن، ولا يُعلَم إنْ كانت ستجدُ طريقاً إلى التطبيق، أم ستظلّ حبراً على ورق مثل كثير من سابقاتها. على أنَّ بعضهم يُبدي تفاؤُلاً مع صدور مرسوم رئاسي في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي بإنشاء مركز "وطني للصناعة السينماتوغرافية" يتبع مباشرةً الوزارة الأُولى (رئاسة الوزراء)، ويتولّى تسيير المجال السينمائي، وإنشاء "المدن السينمائية".
يبدو المركز بديلاً لـ"كتابة الدولة للصناعة السينماتوغرافية والإنتاج الثقافي"، وهي هيئة استُحدثت خلال تعديل حكومي في كانون الثاني/ يناير 2020، وعُيّن على رأسها الممثّل يوسف سحيري، وقيل حينها إنها تعكس اهتمام الدولة بالصناعة السينمائية. لكن جرى إلغاؤها في تعديل حكومي آخر مطلع السنة الحالية.
في مجال السينما دائماً، عاد هذا العام الحديث عن مشروع الفيلم السينمائي عن سيرة "مؤسّس الدولة الجزائرية الحديثة"، الأمير عبد القادر بن محيي الدين (1808 - 1883)، مع حديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، في آب/ أغسطس، عن ضرورة إعادة إطلاق المشروع الذي بدأ عام 2007 وصُرفت ثلاثة أرباع ميزانيته المقدّرة بعشرين مليار سنتيم جزائري من دون أن يُصوَّر منه مشهدٌ واحد. وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، وقّع تبّون مرسوماً رئاسياً لإنشاء مؤسّسة تتكفّل بإنتاج الفيلم، بدءاً من إعداد السيناريو الخاصّ به، ووصولاً إلى توزيعه.
إنتاجٌ ثقافي شحيح في مجالات المسرح والسينما والكتاب
وفي مجال المسرح، أعلنت في نيسان/ أبريل الماضي ما سُمّيت "ورشة إصلاح المسرح"، التي أطلقتها الوزارة العام الماضي وضمّت قرابة خمسين مسرحياً، عن مقترحات قالت إنّها تهدف إلى "تنظيم القطاع والخروج به من حالة الركود والانسداد البيروقراطي التي يعيشُها". لكنّ اللافت أنّ تلك المقترحات اكتفت بالتذكير بالاختلالات المعروفة في المسرح، واجترحت تسميات جديدة لما ينبغي أن تكون عليه أنماط الممارسة المسرحية؛ مثل "مسرح المدينة" و"مسرح المبادرة" و"مسرح الغد".
لا تحمل تلك المقترحات طابعاً إلزامياً، ولا يُعرف أيضاً إنْ كانت الوزارة ستأخذ بها في أيّ تصوُّرات مستقبلية قد تُعدّها عن المسرح الجزائري، خصوصاً مع مغادرة مليكة بن دودة وزارة الثقافة خلال تعديل حكومي أُجرى في تمّوز/ يوليو الماضي، لتحلّ مكانَها وفاء شعلال التي تبدو منشغلةً بترتيب البيت الداخلي للوزارة.
وعلى خلاف ورشة المسرح، لم تُقدّم "لجنة إصلاح الكتاب"، التي أُطلقت العام الماضي أيضاً، مقترحاتها بخصوص مجال النشر؛ مثل تنظيم معارض الكتاب وعمل دور النشر الحكومية و"المركز الوطني للكتاب" و"المكتبة الوطنية الجزائرية"، في حين قدّمت بن دودة، خلال اجتماع للحكومة الجزائرية في أيار/ مايو الماضي، أربعة مشاريع مراسيم تنفيذية تتعلّقُ بسوق الكتاب، يهدف الأوّل إلى وضع إطار تنظيمي لاقتناء الكتب مِن قبل الهيئات والمؤسّسات الرسمية، ويُحدِّد الثاني كيفيات دعم الدولة إيصال الكتب إلى المناطق البعيدة عن العاصمة، ضمن مبدأ "السعر الموحَّد للكتاب" في كلّ مناطق البلاد، ويُحدِّد الثالث كيفيات منح الترخيص المسبَق لتنظيم التظاهُرات المتعلّقة بالكتاب الموجّه إلى الجمهور، في حين يُحدِّد الرابع شروط وكيفيات منح علامة الجودة لدور نشر الكتاب ومكتبات بيع الكتب وكيفية سحبها.
واللافت في تلك النصوص، التي تظلّ مجرّد مشاريع قوانين لم ترَ النور بعد، هو تجاهلُها عدم وصول الكتاب الذي يصدر خارج الجزائر، عربياً كان أم أجنبياً، إلى البلاد، إلّا خلال "المعرض الدولي للكتاب".
وأمام كثرة المقترحات والنصوص القانونية التي تهدف إلى تنظيم المشهد الثقافي، يتواصل للسنة الثانية شحُّ الإنتاج الثقافي في مجالات المسرح والسينما والكتاب، والتي يبدو الفاعلون فيها الأكثرَ تأثُّراً بالجائحة التي تدخل سنتها الثالثة دون ضوء في الأفق.