جان فيليب بييرون: في مديح اليد التي تفكّر

29 مايو 2023
جدارية للفنان اللبناني يزن حلواني في بيروت. تشرين الأول/ أكتوبر 2017 (Getty)
+ الخط -

في مقالته "أجزاء الحيوان"، التي يجمع فيها بين الفلسفة والأنثروبولوجيا والبيولوجيا، لا يتردّد أرسطو بالقول إن اليد هي علامةُ ذكاء الإنسان واختلافه عن غيره من الكائنات الحيّة. ويضيف أنه، بخلاف أعضاء الإنسان الأخرى، ليس لدى اليد وظيفة واحدة تكرّرها باستمرار (كالقلب الذي ينبض، مثلاً)، بل هي أداةُ الإنسان الأولى، أي تلك التي بها يقوم بأمور لا تُحصى، والتي يُعيد من خلالها صياغة علاقته مع الطبيعة ومع محيطه.

وإذا كان هذا التنظير الأرسطي قد غاب لقرون طويلة عن الفكر الفلسفي، الذي انشغل بأمور الروح والأخلاق والميتافيزيقا على حساب الجسد، فإن مقولة أرسطو هذه ــ وغيرها من مقولاته الأنثروبولوجية ــ عادت لترى النور منذ النصف الثاني من القرن الماضي، والذي شهد صدور العديد من المؤلّفات الفلسفية، في فرنسا وغيرها، حول الجسد، بما في ذلك موضوعة اليد، مثل كتاب جاك دريدا "اللمسة، جان لوك نانسي" (2000).

عن منشورات "آركيه" في باريس، صدر حديثاً، للباحث الفرنسي جان فيليب بييرون، كتابُ "مديح اليد: كيف يمكن للّمسة أن تحسّن من حضورنا في العالَم ومن علاقتنا بالآخرين وبأنفسنا".

مديح اليد

بخلاف الجوّ الشائع في أيامنا هذه، والذي يضع كلّ ثقل الإنسان وذكائه وإبداعه في "العقل"، يأتي بييرون ليقول "إنّ اليد تفكّر". وهو لا يقصد هنا أياديَ الفنّانين والشعراء والكتّاب فحسب، بل أيادي الحِرفيين والعمّال، وكل تلك الأيادي التي تُعيد ابتكار العالَم، من دون أن تكتفي باستخدامه، أي من دون أن تكتفي بدورها الوظيفي الحيويّ (مثل تحضير الطعام وتناوله ــ الذي يمكن له، بالمناسبة، أن يكون فعلاً إبداعياً إذا ما تجاوز هذا البُعد الحيويّ).

ويرى الباحث الفرنسي أنه باليد وحدها ــ من خلال اللمس ــ يمكن للإنسان أن يكون في علاقة قُرب مع الآخر، ويمكنه أن يُحسّ بالحاضر الذي يعيشه وأن يُغيّر فيه. اللمسةُ، كما يقول، هي مدخلٌ لإصلاح هذه العلاقة بالعالَم المختلّ بيئياً، وهي الأداة التي من خلالها يمكنُ حتى الذهاب أبعد من فعل الإصلاح: أي إلى فعل تأسيس جديد، تنبني عليه نظرة بيئية جديدة.

يندرج كتاب جان فيليب بييرون هذا في سلسلة أبحاث يقوم بها منذ أعوام حول مسائل متعلّقة بأخلاقيات العيش في يومنا هذا وفي عالمنا الراهن، وهو يذهب في مشروعه بعيداً عن الأخلاق المجرَّدة، فاتحاً الباب على ما يمكن للجسد والأحاسيس أن تفعله. وفي هذا السياق صدرت له أعمالٌ مثل: "من أجل انتفاضةٍ للحواسّ: أن نرقص ونغنّي ونلعب من أجل الاعتناء بالعالَم"، و"أن تتأمّل كما لو كنتَ جبلاً"، و"الهشاشة: نحو فلسفة للعناية"، إلى جانب "شِعرية الماء" و"الاعتناء بالطبيعة والبشر: الطبّ والعمل والإيكولوجيا".

المساهمون