في تقديمها فيلم "جداريات السيرة والمسيرة" للمخرج بلال شموط، الذي عُرض عند السادسة من مساء أمس الأحد في "المركز العربي للأبحاث" بعمّان، قالت الفنانة التشكيلية الفلسطينية تمام الأكحل إن "الفن التشكيلي ليس ترفاً، وليس فلسفة، وليس للتزيين"، مبينة أن الفن تنمية وعي وموهبة ووطن.
وأشارت في الفعالية التي تنظَّم ضمن "سلسلة لقاءات الذكرى 75 للنكبة"، أن للفنان دوراً كبيراً في التعبير عن الأحداث التي يعيشها مجتمعه، وعليه إيصال رسالته. ورسالته إنسانية بها يدافع عن وطنه وحقه في الوجود وفي الحياة، وبفنّه يستطيع تغيير الكثير من أساليب الحياة، مستذكرة أول معرض جمعها مع زوجها الفنان الفلسطيني الراحل إسماعيل شموط (1930 – 2006)، لكن صدق التجربة جعلت كلّ واحد منهما يمضي بتجربته منفرداً.
سيرة الفنانين الزوجين منذ تهجيرهما قسراً من اللد ويافا إلى المنفى، طغت على حديث الأكحل، مازجة بين الشخصي والفنّي في التقديم كما في الفيلم، الذي أخرجه الابن وفاءً لتجربة والديه شموط والأكحل، واستمدّ عنوانه من عنوان آخِر معرض لهما: "السيرة والمسيرة" وضمّ تسع عشرة جدارية، ورسم منها إسماعيل إحدى عشرة والباقي لتمام، كلّ واحدة منها تروي مجموعة من القصص بمصاحبة تعليق عليها.
يُفتتح الفيلم بزيارة شموط والأكحل إلى فلسطين عام 1997، بعدما يقرب من خمسين عاماً إلى مسقط رأسيهما في اللد ويافا. وكان للزيارة تأثير كبير عليهما حيث تداعت الذكريات وتجدّدت صورة الأحداث التي عاشاها بكلّ ما فيها من مرارة وعذاب، ومن تصميم وإصرار على الحياة.
وبيّن بلال شموط في فيلمه، بأنه منذ ذلك الوقت عمل الفنانان وعلى مدار أربع سنوات لإنجاز الجداريات التي عُرضت في أمكنة عدة. ومع عرض كل جدارية، يسرد إسماعيل شموط سيرته منذ مولده وطفولته في اللدّ، متغزلاً بالطبيعة والحياة الوادعة آنذاك، وكذلك تمام الأكحل تصف بحر يافا ومكانة مدينتها عبر التاريخ.
شهادة الفنانين وثّقتها لوحاتهما عبر أكثر من نصف قرن، تعبّر بتكثيف رمزي أحياناً وبتفصيل أحياناً أخرى، لتحضر النكبة كحدث مؤسِّس لحياة بأكملها، حيث يعرض الفيلم تفاصيل الاقتلاع من الأرض على يد العصابات الصهيونية، مستعيداً مشهد المأساة بالصوت واللوحة.
ينتقل الفنانان بعدها للحديث عن تشتت الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، ومنها انطلقت النخبة المتعلمة للعمل في بلدان الخليج، وما تلاها من هزيمة في حزيران/ يونيو 1967، وانطلاق الثورة الفلسطينية وتأسيس "منظمة التحرير"، وبدء الكفاح المسلح بعد "النكسة المشؤومة"، مروراً بمذبحة صبرا وشاتيلا والاجتياح الإسرائيلي للبنان، ووصولاً إلى الانتفاضة الأولى عام 1987، التي تنبأ شموط بها قبل ثلاث سنوات من حدوثها. فقد رسم لوحتين؛ الأولى سمّاها "أطفال الحجارة" لأطفال ينصبون كميناً لدورية للجيش الإسرائيلي، وثانية لطالب وطالبات مدرسة يرشقون الجيش بالحجارة أطلق عليها "أطفال مخيم الدهيشة".
يختم إسماعيل شموط الفيلم بقوله: "للأحلام دوماً تلك المساحة الرحبة اللامحدودة... ما من أحد يستطيع أن يمنع عنا الحلم... أقول: أنا موجود إذا أنا أحلم، وهل يكون للحياة معنى إذا خلَت من الأحلام! الحلم حرّ كالحرية... ونحن نعرف حلمنا، نعم نعرفه ولكننا لا نزال نحلم به. نعرفه وطناً مقدساً كالحقّ المقدس. نغرفه عميقاً في الشعر والموسيقى واللوحة، لكنه رائع أكثر بشعبه وبأرضه، كل شعبه وكلّ أرضه".