إذا كان تفجير المرفأ، الذي عاشته بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020، قد ظلّ حادثةً غامضةً ويُشتغَل على تجاوزها وربما محو آثارها لدى العديد من أصحاب القرار السياسي، فإن التفجير قد تحوّل في الفن اللبناني إلى ما يشبه اللحظة الفارقة التي لا يكاد يمكن العمل اليوم من دون الإحالة إليها بشكلٍ أو بآخر.
وليس مبالغةً القول إن التفجير قد وسم بميسمه الكثير، إن لم يكن أغلب الأعمال التشكيلية التي تُعرَض في العاصمة اللبنانية منذ صيف 2020، حيث لا يتوقّف الرسّامون والنحّاتون والمصوّرون وغيرهم من الفنانين عن اقتراح رؤاهم الخاصّة لمشاهد الدمار والذُعر والقسوة التي خلّفها الحدث المأساوي في المدينة والأنفس.
"هنا والآن" عنوان معرض للفنّان اللبناني جوزف حرب (1964)، افتُتح في السادس من نيسان/ أبريل الجاري ويستمرّ حتى السادس من أيار/ مايو المقبل في "غاليري جانين ربيز" ببيروت، ويضمّ العديد من المنحوتات والرسومات التي تتبّع آثار التفجير، بل وآثار الحياة اللبنانية بشكل عام، على الجسد بشكل خاصّ.
إن كان عنوان المعرض قائماً على شيء من المباشرة المقصودة، أي الرغبة في ربْط الأعمال المعروضة باللحظة اللبنانية الراهنة، فإن الأشكال التي يقترحها حرب تأتي لتُخبرنا عن صعوبة هذه اللحظة. فالمنحوتات، وكذلك الرسومات، تقدّم أجساداً وأعضاءً يعتريها الجزع والقلق، أو السوداوية، مثل هذا الرجل، شبه العاري، الذي يرسمه حرب ساهماً، جالساً ورأسه مُسنَدٌ إلى يده، في ما لا نعرف إن كان ذلك صورةً للحظة التيه الذي الصدمة، أو لحظة الحزن والتفكير بها.
وتبدو الأجساد التي يصوّرها حرب، ولا سيّما في منحوتاته، حيّزاً أصابه التفجير، ومأساوية الوضع اللبناني، بشكلٍ لا يمكن إخفاؤه، حيث يترك الفنان فراغاتٍ بين الكتل الطينية التي تتشكّل منها بعض منحوتاته، وكأننا أمام جروحٍ أو ندوب أو حتى شروخٍ وجودية. آثارٌ تصل إلى درجة فزع أبعد بكثير في المنحوتات التي يفصل فيها أعضاءً عن مجمل الجسد، ليجد المشاهد نفسه أمام رؤوسٍ شاخصة الأعين، أو شبه مشوّهة، وأيادٍ مرفوعة، وهي أعمالٌ لا يمكن النظر إليها من دون إحالتها إلى وحدة وعزلة الكائنات التي يرسمها.