أشار إلشاعر حسين جلعاد إلى الصراع الذي يعيشه المُبدع بين الارتباط بمجتمعه والكتابة عنه من زاوية الالتزام بقضاياه وتبنيها، وبين الإصغاء إلى جدوله الداخلي والنزوع إلى الجمالي والفني، مُبيّناً أن الأدب ينبت من هذا الجدل الذي لا ينتهي.
وأوضح في حفل توقيع مجموعته القصصية "عيون الغرقى"، في "المكتبة الوطنية" بعمّان، مساء أمس الإثنين، إلى أنّه لا يجد فواصل وحدوداً بين كتابة السرد وكتابة الشعر، وإن اختلفت الأدوات في التعبير عن الأفكار والرؤى في تكثيفها واختزالها أو انثيالها في مساحات أوسع، في إشارة إلى كتابته القصة بعد إصداره مجموعتين شعريتين هما "العالي يُصلب دائماً" (1999)، و"كما يخسر الأنبياء" (2007).
وقدّم الباحث والناقد محمد عبيد الله ورقة بعنوان "مجموعة قصّصية بمناخات الذاكرة والشعر والسيرة"، نبّه خلالها إلى أن مناخات القصص وأجوائها تُعيد القارئ من خلال ذاكرة شخصياتها إلى أجواء تسعينيات القرن الماضي، النصف الأول من التسعينيات بوجه خاص، فكلّ ما فيها يُعيده إلى ذلك المناخ المُفخّخ بالاحتمالات والتحوّلات، نهاية حقبة وبدء أُخرى، ثمة خيوط سيرية (من السيرة الذاتية) تَبرز فيها الأبعاد الذاتية والغنائية لهذه القصص، ولكنّها نتفٌ وخيوط متقطّعة لا تتكامل ولا تتآزر لتكوين سيرة مكتملة أو وافية، وتستفيد من تقنيات القصة التي تميل إلى الاجتزاء وإلى الكثافة شأنها في هذا شأن السيرة الشعرية المتقطّعة. إنّها سيرة لأنها تُحيل إلى الذات، ولكنّها تنتقي ما يعنيها من تفاصيل وأحداث هامشية وخاصة، لكنّها مؤثّرة من منظور الشخصيات ومنظور المؤلّف.
كما بيّن أن في المجموعة ما يمكن أن ندعوه بالمتوالية القصصية أو قصة الحلقات التي تتكوّن من عدّة قصص مع تكرار الشخصيات والمناخات في القصص جميعها، مُضيفاً "كأنّ جلعاد يُدرك أسرار النزوع الشعري والغنائي المتأصّل في القصة القصيرة، وذلك بموقعها المتوسّط أو المتأرجح بين الموضوعي والذاتي، وبين الغنائي والدرامي، وفي ضوء هذه الطبيعة البَينية تسمح القصة بدخول النزعة الشعرية".
في ورقته "الوعي وألم العبور في الزمان والمكان"، لفت الزميل محمود منير إلى تلك اللحظات الانتقالية التي تعيشها معظم شخصيات المجموعة التي لن يكون عبورها أو تحوُّلها سهلاً، بل يعكس في كثير من لحظاته تلك المعاناة التي تعيشها هذه الشخصيات، والقسوة في اكتشافها الواقع والتكيُّف معه أو مقاومته، وكذلك الألم في استيعاب ما يحدث من انتقالات وتحوّلات، وتتلخّص حالة العبور من الطفولة والرومانسية والبراءة والجموح إلى النضج وعالم الكبار، ومن الريف وإربد إلى العاصمة عمّان، ومن الطالب في بداياته إلى المثقّف بما يمتلك من تصوّرات ومقولات ناجزة، بحيث يبدو في الأغلب باعثاً على الألم والإحساس العارم بالفقد والخسارات والضياع.