خولة شخاترة.. على خطى ابن فضلان

17 فبراير 2021
(رسم توضيحي لبعثة ابن فضلان في متحف بمدينة نارود الروسية)
+ الخط -

حظيت رحلة الفقيه والكاتب أحمد بن فضلان (877 – 960 م) إلى عدد من الممالك الأوروبية، بوصفه سفيراً للخليفة العباسي المقتدر، بدراسات متنوعة اهتمت بمضمونها الأدبي، والإثنوغرافي في ذكرها أنماط الحياة والتقاليد والفنون للشعوب التي زارها، كذلك فإنها تمثّل نموذجاً لنظرة المسلمين في أوج ازدهارهم وتقدّمهم إلى الآخر.

"رحلة ابن فضلان والتواصل الحضاري والثقافي" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحثة والأكاديمية الأردنية خولة شخاترة عن "الآن ناشرون وموزعون" بدعم من "جامعة جدارا"، ويتناول أغراض الرحلة ودوافعها وأهدافها وتجاوزها لأهداف الترحال والفضول المعرفي، وتتوقف عند بدايات العمل السفاري في الدولة العباسية، مثل رحلة ابن المنجم زمن الخليفة الواثق.

هدف الرحلة هو إقامة تحالف بين الصقالبة ودولة الخلافة في مواجهة دولة الخزر (اليهودية)

في حديثها إلى "العربي الجديد"، توضّح المؤلّفة أن بداية اهتمامها بالموضوع يعود إلى متابعتها مسلسل "سقف العالم" عام 2007، الذي اعتمد فيه كاتب السيناريو حسن محمد يوسف على الفيلم الأميركي "المحارب الثالث عشر" المستمدّ من رواية "أكلة الموتى" لمايكل كريكتون، حيث يشير المسلسل إلى أن فضلان زار بلاد الترك والصقالبة والروس والدنمارك، مع أنه لم يذهب إلى بلاد الإسكندنافية، واعتبر السيناريست حينها أن عمله يأتي كرد حضاري على تطاول بعض الدنماركيين على المقدسات الإسلامية. 

تضيف شخاترة: "حاول الكتاب مناقشة لماذا اعتمد كثير من الباحثين على هذه المعلومة التي تورد زيارة الرحالة المسلم لاسكندنافيا، وبعد الاطلاع على كتابات كثيرة توصلت إلى أنه زار بلاد الترك والصقالبة والروس فقط، وفي صفحات قليلة يكتب عن بلاد الخزر"، موضحة أن "سبب هذا الخلط يأتي كون رسالة ابن فضلان عُرفت في وقت متأخر (نص الرحلة الذي بين أيدينا)، إذ عرفنا رحلته من خلال ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان"، الذي نقَل صفحات كثيرة عن مشاهدات رحلته، وهذه المعلومات اعتمد عليها كثير من المستشرقين، واطلع عليها مايكل كريكتون من خلال الباحث الدنماركي فراوس ولوس، وبناءً عليها كتَب روايته، جاعلاً من ابن فضلان البطل الرئيسي في الرواية؛ وأقول روايته أي أنها عمل فني، وليس النص التاريخي الذي وصل إلينا وحققه سامي الدهان التي حققها عام 1959 وعُرف بـ "مخطوطة مشهد"، وذكر أنه ربما سقط من المخطوط صفحة أو صفحتان، فظن بعض الباحثين أن رواية كريكتون تسدّ هذا النقص، خاصة أن الرسالة تروي رحلة الذهاب في حين غابت رحلة العودة".

غلاف الكتاب

وتلفت صاحبة كتاب "بنية النص الحكائي في كتاب "الحيوان" للجاحظ" إلى أنها اعتمدت على نسخة الرحلة التي حقّقها شاكر لعيبي عام 2003، وفي مفتتح كتابها ضمّنت نقاشاً لكل الآراء المتعددة والمتباينة حول الرحلة، سواء أكان النص التاريخي أم الإضافات التي دخلت عليها.

 يحتوي الكتاب على مقدمة وتوطئة وثلاثة فصول، حيث بيّنت المقدمة دوافع التأليف، أما التوطئة فهي تعريف بالرحلة بشكل عام أغراضها ودوافعها والرحلات التي سبقت رحلة ابن فضلان، وفي الفصل الأول "رحلة ابن فضلان عملاً سفارياً" بيان للمهمة التي كُلِّفَها ابن فضلان رسمياً، مع الإشارة إلى أن الرحلة جاءت بعد الرسالة التي بعثها ملك الصقالبة ألمش بن يلطوار يطلب فيها من الخليفة المقتدر أن يرسل إليه من يقوم بالمهام الآتية: التفقه بالدين، وبناء منبر، وحصن يتحصن فيه من الملوك المخالفين، بمعنى أن الرحلة ليست رغبة ذاتية من ابن فضلان، بل جاءت بتكليف رسمي من الخليفة.

تقول شخاترة إنه "يتبيّن فيما بعد أن هذه الرحلة - ربما ينفرد به هذا الكتاب - كانت في غاية السريّة، والهدف منها إقامة تحالف مع دولة الخلافة كي تكون سنداً حقيقياً في مواجهة دولة الخزر (اليهودية)، الجارة القوية التي تهدد وجود دولة الصقالبة، وبمثابة خطة استباقية خوفاً من إقامة تحالف بين دولة الخلافة والخزر فتصبح مملكة الصقالبة في عين الخطر، ولهذا غُلّف هذا التحالف بإطار ثقافي حضاري علمي".

يدرس الكتاب خطاب الرحلة بوصفها نصاً أدبياً خالصاً، حيث تشكّل رسالة ملك الصقالبة الحكاية الإطار

ويبحث هذا الفصل أيضاً، بحسب الباحثة، ما رافق هذه الرحلة من صعوبات تمثلت بالتمويل، ومخاطر الطريق، والإعداد المسبق، وكلها صعوبات داخلية. أما الخارجية، فتمثلت بمخاطر الطريق وقسوة المكان والمناخ، مع الإشارة إلى أن ابن فضلان تجاوز مهمته الرسمية وكتَب مشاهداته في هذه البلاد التي زارها، وتشبهها في ذلك مهمة رفاعة الطهطاوي الذي تجاوز مهمة الإرشاد إلى الكتابة عن المجتمع الفرنسي والمدنية والديمقراطية... إلخ.

وتبيّن شخاترة أنها اعتمدت في الفصل الثاني تناول مشاهدات ابن فضلان في بلاد الترك والصقالبة والروس، على دراسة تيري إيغلتون حول الثقافة والحضارة في مؤلّفيه" "فكرة الثقافة" "وكتاب الثقافة"، وكذلك الكتب التي تناولت موضوع التواصل مثل "فتح أمريكا" لتودوروف، وكيف انعكس الآخر في مرآة الأنا، وملامح من معتقدات هذه الشعوب، والنظام الاجتماعي والسياسي، وحضور المرأة والاختلاط، وطقوس المرض والموت... إلخ، وما رافق مشاهدات ابن فضلان من حوارات لم تكن جدلاً بهدف إقناع الآخر بوجهة نظره، خوفاً من فشل مهمته السفارية.

ويتوقّف الفصل الثالث عند خطاب الرحلة ودرسها بوصفها نصاً أدبياً خالصاً، حيث جعلت المؤلّفة من رسالة ملك الصقالبة الحكاية الإطار، ورحلة ابن فضلان وما فيها من حكايات صغرى، ومواقف وشخصيات، ومواقف غريبة هي الحكاية المضمّنة.

وتنبّه إلى أن "رسالة ابن فضلان تحدثت عن روسيا والبلاد حول نهر الفولغا في مرحلة تاريخية غابت عن الكتابات الأوروبية، وكانت حاضرة في كتابات العرب"، مشيرة إلى أن دراستها تكشف عن التحالف بين دولة الخلافة ومملكة الصقالبة، والجانب الحضاري والثقافي بعيداً عن الآراء المسبقة بالاعتماد على ما كتبه إيجلتون وتودوروف، إضافة إلى نظرة قد تكون مختلفة إلى بنية لرسالة من حيث تقسيمها إلى حكاية إطار وحكاية مضمنة، مع عدم إغفال ما كتبه سعيد يقطين أو شعيب حليفي عن بنية رسالة ابن فضلان".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون