مكتبة تُغلَق وأُخرى تتحوّل مكاناً لعرْض الملبوسات. قد لا يقول الكلام هنا أيّ جديد، فالمشهد صار مُعتاداً في البلاد العربية، مع تردّي الأوضاع الاقتصادية، وسياسات التخطيط الثقافي شبه المنسية أو المتقادِمة، والتي تعتمدها وزارات الثقافة.
وتأكيداً لهذا الواقع، انتشرت في الأيام القليلة الماضية، على مواقع التواصل الاجتماعي، صورةٌ لأحد فروع "دار المعارف" المصرية، وفي الواجهة منها أدواتٌ كهربائية ومَنزلية للبيع. وقد كتبَ ملُتقطها، عبر حسابه على فيسبوك، عباراتٍ تحمل في طيّاتها الأسف على واقع الثقافة الراهن، خصوصاً وأن هذا يحدث مع أقدم دار نشر عربية (منذ 1890)، "اللي فازت من كام سنة بأفضل دار نشر عربية... بقي فيها قسم كماليات وأجهزة كهربائية! عارفين نسبة الانحدار! قدّروها لوحدكم".
التعامل "الاتهامي" مع الصورة، أو نفي صحّتها، لا يُلغي الاعتراف بحالة الانحدار الثقافي
أثارتِ الصورة الجدلَ سريعاً، كما استدعى ردوداً من الدار نفسها لتوضيح حقيقة الأمر، إذ أصدرتِ الدار أوّل أمس الأربعاء، وعبر حسابها على فيسبوك أيضاً، بياناً عنونته بـ"ردّاً على حملة التشويه المُثارَة ضدّ مؤسسة دار المعارف"، مُشيرةً إلى أنها لم تؤجّر جزءاً من مكتباتها لعرض أو بيع أغراض أو سلع مخالفة لنشاطها الأساسي، أي بيع الكتب والأدوات الكتابية والمكتبية والوسائل التعليمية.
وأشار البيان إلى أن الصورة المتداولة، وإن كانت حقيقية؛ فإن صياغة ما تم تداوله "غير حقيقي بالمرّة"، لافتةً إلى أنها لا تبيع أجهزة كهربائية أو مستلزمات منزلية إطلاقاً، بل إنها أدوات مكتبية شاملة؛ مثل: ماكينات الفَرْم والخزن وغيرها. وأضاف البيان: "تهيب مؤسسة دار المعارف بجميع المتابعين والمهتمّين بالشأن الثقافي، أن يتحرَّوا الدقة في ما يتم ترويجه أحياناً من معلومات غير حقيقية أو موثّقة".
ولم يلبث الأمر طويلاً حتى تدولت وكالات أنباء عالمية الخبر، وسرعان ما أصبحنا أمام عملية تقنية لإثبات بَيْع الدار للأدوات الكهربائية من عدمه، إذ نفت وكالة "فرانس برس"، أمس الخميس، صحّة الصورة واصفةً إياها بـ"المُجتزأة".
لكن يبقى السؤال، لماذا تمّ التعامُل مع الصورة بهذه النبرة الاتهامية؟ فهي وإن كانت "غير حقيقية بالمرّة"، إلّا أن المشهد الثقافي العام في مصر، يُنبِئ بما هو أفدح بكثير. ألا تُهدّد علامة الإزالة "الإكس" جبّانات تاريخية في القاهرة، ومدافن لأدباء كبار، وكذلك متاحف لفنانين تشكيليين، ولا أحد يُحرّك ساكناً في هذه الملفّات؟
التعامل "الاتّهامي" مع الصورة لا يُلغي القضية المطروحة، وهي واقع حال المؤسّسات الثقافية في مصر والبلاد العربية. وهذا ما تلقّفه جمهورٌ من المتابعين، ليشارك كلٌّ منهم في تأمّل "الانحدار"، فجاءت صُور من شارع الحمرا في بيروت لمكتبة تحوّلت بالفعل إلى محلّ ألبسة، وأُخرى من اللاذقية السورية يُعلن فيها صاحب إحدى المكتبات إغلاقها بعد ثمانين عاماً على افتتاحها...