في العصر العباسي، طُوِّر بعض مسارات التجارة القديمة ضمن ثلاث طرق حج رئيسية تربط الحجاز بالعراق والشام ومصر والأندلس، ومنها درب الحيرة الذي كان يستخدمه التجار والمسافرون بين مكة والكوفة، وازدهر بعد ذلك، حيث سُمي على اسم زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد في منتصف القرن الثامن الميلادي، وبُنيت المحطات المزودة بالآبار والمسابح والسدود والقصور والأرصفة.
قدّم ملف ترشيح هذا الدرب إلى منظمة "الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة" (اليونسكو) عام 2015، وتبنّاه كمشروع مشترك لاحقاً كلّ من العراق والسعودية، حيث يقع داخل حدودهما، ليُعلن منذ أيام إدراجه على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي.
وسجل العراق والسعودية أربعة مواقع أثرية من كلِّ جانب على خط سير الدرب التاريخي الذي ربط مدينة الكوفة بمكة المكرمة، بحسب بيان وزارة الثقافة العراقية، أشار إلى أن المواقع المدرجة في العراق هي: محطة أم القرون، ومحطة الطلحات، ومحطة شراف، ومحطة العقبة الحدودية، والعمل قائم من كلا الطرفين على إعداد ملف الترشيح.
كان الحجاج يستخدمون درب زبيدة الذي يربط بين مكّة والكوفة عبر التاريخ الإسلامي
وكانت القوافل تغادر المدن العراقية في شهر شوال من كلّ عام إذا قصدت الذهاب إلى المدينة المنورة قبل أداء مناسك الحج، وتنطلق في شهر ذي القعدة إذا توّجهت إلى مكة مباشرة، لتقطع مسافة تقدّر بنحو ألف وأربعمائة كيلو متر، توجد عليها سبع وعشرون محطّة للاستراحة والتزوّد بالطعام.
وحدّد القائمون على المشروع مسارات درب زبيدة الذي شُقّ بشكل مستقيم في معظم أجزائه، ويجتاز أراضي سهلية مستوية ومناطق وعرة حتى يصل إلى جبال، وسُهِّلَت الطريق بقطع الممرات بين الجبال أحياناً، وحماية مسار الطريق بجدران مرتفعة على جانبيه، ووضعت مدرجات عريضة في مواضع الصعود والنزول في المناطق الجبلية الوعرة.
وبدئ بإجراء مسح كامل لمعالم الطريق، ووضع خرائط له، وأُجريت العديد من الدراسات العلمية، وسيعمل على تنفيذه في مرحلتين، تتضمّنان إعادة تأهيل المحطّات الثماني التي اختيرَت، من أجل افتتاحه كطريق بري يصل مدن جنوب العراق بالسعودية، وكمسار سياحي ثقافي أيضاً.
الدرب الذي ذكره عدد من الجغرافيين والرحّالة العرب في مؤلّفاتهم، من أمثال ابن خردبة، وابن رستة، وأبو الفرج، واليعقوبي، والمقدسي، والحمداني، وابن جبير، وابن بطوطة، تمثّل معالمه أحد أنماط العمارة الإسلامية، حيث بُنيت البرك في أشكال مستطيلة ومربعة ودائرية، وُجمعت فيها مياه الأمطار، إضافة إلى حفر الآبار، وتحتشد الأبنية الواقعة عليه، من مساجد وقصور ومكاتب بريد، بالزخارف والنقوش.