تركّز المعمارية والفنانة البصرية الأردنية دينا حدادين في مشاريعها البحثية والتصميمية على التخلخل والاقتلاع من الأمكنة في العاصمة الأردنية، ضمن عمليات التطوير وإعادة التطوير المتواصلة، حيث يتغير تشكيل الحدود والهوامش بطريقة دائمة في المكان.
وفي عام 2018، قدّمت عملها "سيمفونية الفراغ" وهو جزء من مشروع بحثي مدته سبع سنوات بعنوان "جزيرة 861" في أحد أحياء عمّان الذي يدعى "حي القيسية" الذي أقام فيه أول مرة مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين في خمسينيات القرن الماضي على أراضٍ زراعية غير مخططة.
تضيء حدادين في اللقاء الذي نظّمته "مؤسسة خالد شومان/ دارة الفنون" في عمّان مساء السبت الماضي، كيف خضعت هذه المنطقة للتهجير والتدمير والهدم بشكل منهجي لتلبية ما تسميها "رؤية رأسمالية طوباوية" للوادي الذي يفصل بين شرق عمان وغربها، حيث كانت مفاهيم الحداثة تبرر "التدمير" بـ "التقدم"، أو "ثمن التقدم".
وتشير في اللقاء الذي حمل عنوان "الانتماء إلى ما هو مؤقت" ضمن سلسلة "ديوان المعمار" الشهرية، إلى المقالع الحجرية في عملها الفني، بوصفه استعارة تشبيهية للتصور المرتبط بتغيير الأماكن وتخلخلها، حيث صمّمت نصباً تذكارياً مؤقتاً يرمز إلى العدم، وهو إظهار مكاني للسلطة السياسية، ويمثّل كيفية "خيانة" المدينة أو سكانها.
كما تتحدّث عن حالة دائمة من التغير وعدم الثبات تعيشها المدن، ضمن حقائق هندسية مكانية وجغرافية حضرية متغيّرة نتيجة لسياسات الاستبعاد وفي سياق النزوح المكاني/ الاجتماعي، لتكون هذه الفراغات البينيّة، أو الهوامش، أو الفجوات، مبنية أو غير مبنية، هي نتيجة لممارسات التكوين المكاني المستمرة لمفهوم "التغيير".
وتستكشف حدادين مشاريع تعكس تلك الحالة اللحظية، وما يرتبط بها من إمكانات إبداعية فريدة ضمن تضاريسها العابرة، بالتركيز على تحديات إنشاء فراغات لاستيعاب حالتها المؤقتة، وتحتفي بوجودها اللحظي، كما بزوالها، وبقدرتها على التكيّف، من خلال تصاميم مبتكرة ومرنة، كالبناء الموديولير، وتطبيق سياسات التكيّف وإعادة الاستخدام وتقليل هدر المواد، كما يؤدي التجريب الفني دوراً في تفعيل تلك المساحات المهمّشة من خلال الأعمال والتراكيب الفنية المؤقتة والتجارب التفاعلية، بهدف إنعاشها وإعادة تعريف مفهوم الفضاء العام، إذ يمكننا من خلال تبنّي فكرة الزوال أن نتحدى مفهوم الديمومة في العمارة، واستكشاف إمكانات تشكيل وإعادة تشكيل المساحات الحضرية المتغيّرة.
يذكر أن دينا حدادين تحمل شهادة البكالوريوس في هندسة العمارة من جامعة العلوم والتكنولوجيا عام 2006 قبل أن تلتحق بكلية الفنون المرئية بنيويورك، وتقدّم تجارب مختلفة في الرسم والطباعة وفنون الأداء التجريبي والفيديو، وأقامت خمسة معارض فردية، بالإضافة إلى مشاركتها في معارض جماعية.