تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم 16 كانون الأول/ ديسمبر ذكرى ميلاد الكاتب التونسي البشير الفورتي (1882 - 1954).
لُقّب البشير الفورتي بـ"شيخ الصحافة التونسية" ذلك أنه أحد أوائل من أسّس مطبعة من التونسيين، ومن ثمّ أطلق جريدة بعنوان "التقدّم" في 1907، ثم لم يلبث أن وظّف هذه المشاريع ضمن جهود القضية الوطنية لنيل الاستقلال الذي كانت تنادي به النخب التونسية بشكل سرّي في البداية ثم بلغت أوجها في ثلاثينيات القرن الماضي.
أخفى هذا الجانب الصحافي أبعاداً أخرى من مسيرة الفورتي أبرزها أنه كان مؤلفاً أصدر عدّة كتب أبرزها: "العالم الاسلامي" (في ثلاثة أجزاء)، و"الحلل الموشية في الأخبار المرّاكشيّة"، و"الهلال والصّليب"، و"فضائح الاحتلال الفرنسي في شمال أفريقيا".
ومن اليسير أن نلاحظ من خلال هذه العناوين انفتاح الفورتي على قضايا أبعد من تونس، ويتجلّى ذلك أيضاً في محاولته تشريك كتّاب عرب في جريدته، وكان أشهرهم على الإطلاق جبران خليل جبران وكان في الثلث الأول من القرن العشرين أحد أبرز المؤثرين في الشباب التونسي.
كما أصدر الفورتي في 1910 جريدة أسبوعيّة هزلية باسم "ولد البلاد" لكنّها لم تعمّر طويلاً، فلم يصدر منها إلا تسعة أعداد وتوقّفت عن الصدور في العام ذاته، ولاحقاً جرى إيقاف "التقدّم" أيضاً، والتضييق على أنشطة الفورتي الذي قرّر أن يتجوّل في عدة محطات في العالم تفادياً لعاصفة الغضب الفرنسي.
اتجه أولاً إلى ليبيا وكتب لصحف عربية عن الحرب التي تخوضها إيطاليا هناك، ثم غادرها إلى مصر وتعرّف على مثقفيها وكان يعرّفهم بالقضية التونسية للتحرر من الاستعمار الفرنسي وكتب في صحف كثيرة عن ذلك. كما استقر لبضع سنوات في تركيا وشارك في إصدار جريدة "الهلال العثماني" التي كانت تعمل على إيقاظ الحس بالانتماء للأمة الإسلامية. وحين عاد إلى تونس فكّر في مشروع شبيه فأطلق وكالة أنباء سمّاها "مكتب الصّحافة العربيّة" كان لها دور بارز في ربط العلاقات بين المناضلين في مختلف البلدان العربية.
لم تأخذ هذه التجربة حظّها من الدراسة والتأريخ ربما لأن تاريخ الصحافة في تونس ظل في جزء كبير منه بعيداً عن دوائر اهتمام الباحثين، ومن النماذج النادرة لهذا الاهتمام صدور كتاب عن الفورتي أنجزه الجيلاني بن الحاج يحيى بعنوان "شيخ الصحافة البشير الفورتي من خلال آثاره".