تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس والعشرون من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد الكاتب المسرحي المصري محمود دياب (1932 – 1983).
منذ نهاية الخمسينيات، بدت نصوص محمود دياب التي تحلّ ذكرى ميلاده اليوم الأربعاء مختلفة عن المرحلة التي ظهرت فيها، إذ ابتعد عن تلك النظرة الرومانسية الحالمة التي هيمنت على المسرح المصري، خاصة بعد حركة يوليو، حيث قدّم معالجة نقدية أكثر جرأة وعمقاً للواقع وأزمات المجتمع واختار الموت أو خاتمة صادمة لينهي معظم أعماله بدلاً من النهايات السعيدة التي لم تنجُ منها مسرحية واحدة آنذاك.
ولجأ الكاتب المسرحي المصري (1932 – 1983) إلى الجدّية في تناول القهر السياسي والاجتماعي الذي يتعرّض إليه الفرد، وما يعيشه من تشظٍّ فكري وقلق وجودي، وذهب معظم أبطاله إلى اليأس عاجزين عن تحقيق أحلامهم، بعد فشلهم في تطوير مجتمعاتهم لعدم امتلاكهم إرادة التغيير، واستسلامهم لفكرة الخلاص الفردي.
برع في تحليل العلاقات بين الفلاحين، والصراعات في ما بينهم وفي مواجهة السلطة
وشكّلت مسرحية "الزوبعة" التي أصدرها عام 1966، ونالت اهتماماً نقدياً كبيراً، نقطة تحوّل في تجربته، حيث برع في تصوير القرية من خلال استعارة فن السامر لجعل شخصياته تبوح بهمومها ومشكلاتها، وغاص في تحليل العلاقات بين الفلاحين، والصراعات فيما بينهم وفي مواجهة السلطة بوجوهها المختلفة، وحملت لغته أيضاً نزعة فلسفية تأملية.
استفاد دياب المولود في الإسماعيلية من التراث القصصي الشعبي، لكنه تعامل مع الحكاية كأداة للتحريض، وليست مجرّد سردٍ غايته إمتاع المتلقي وتسكينه، ورغم شغفه بالأدب والمسرح إلا أنه تخرّج من كلية الحقوق في "جامعة القاهرة" عام 1955، وعمِل في القضاء وتدرّج في المناصب حتى عُيّن مستشاراً، حيث ساهمت مهنته في تقديم شخصيات مقهورة ومسلوبة ومأزومة، جعلها تخضع لقوانين ونظم تحدّد مصائرهم.
في مسرحية "ليالي الحصاد" (1968)، يتمركز الحدث الرئيسي في ليلة سمر في قرية منعزلة خلال مواسم الحصاد، الذي تتخلّله طقوس وألعاب ومسامرات يوظّفها دياب من أجل أن تعرّف كل شخصية بأحوالها، وكذلك نظرتها إلى محيطها، حيث يعتمد على تقنية المسرح داخل المسرح، فتشارك الشخصيات في اللعبة كمؤدين ومتلقين في الوقت ذاته.
نشر دياب أول نصوصه القصصية تحت عنوان "المعجزة" عام 1959، ثم أصدر مجموعة قصص قصيرة بعنوان "خطاب من قبلي" (1961)، قبل أن يتوجّه إلى المسرح ويكتب العديد من النصوص، كان أولها مسرحية "البيت القديم" عام 1963، التي تروي قصة عائلة مكوّنة من ستّة أفراد ينتقلون من بيتهم القديم في أحد الأحياء الشعبية إلى بيت جديد، لكن التغيّر في السكن يترافق مع تحوّلات أعمق في شخصيات العمل التي تعيش اغترابات وانسحاقات في محاولاتها للانتقال من طبقة إلى أخرى.
توالت أعماله المسرحية حيث أصدر "الضيوف" (1965)، و" البيانو" (1965)، و"الغريب" (1966)، و"العلافيت" (1968)، و"باب الفتوح" (1970)، و"رجل طيب في ثلاث حكايات (1970)، و"قصر الشهبندر" (1974)، و"رسول من قرية تميرة للاستفهام عن مسألة الحرب والسلام" (1974)، و"أرض لا تنبت الزهور" (1979).
وكتب للسينما نصوص عدد من الأفلام، حيث أعدّ سيناريو فيلم "سونيا والمجنون" عن رواية "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي، وأخرجه حسام الدين مصطفى عام 1977، ونال جوائز عديدة، إلى جانب سيناريو فيلم "الشياطين" (1977) من إخراج مصطفى نفسه، و"إبليس فى المدينة" (1978) الذي أخرجه سمير سيف.