كانت "جامعة حلب" علامة امتدّت لقرابة ثلاثين عاماً من حياة الناقد والباحث والمترجم السوري فؤاد المرعي، الذي رحل عن عالمنا يوم أمس الإثنين في مدينة اللاذقية، عن 84 عاماً؛ حيث قدّم خلال فترة عمله فيها عدداً من أبرز مؤلَّفاته في مجال النقد الأدبي.
وُلد المرعي في تلكلخ، غرب مدينة حمص، عام 1938، وتنقّل في طفولته بين عدّة مدن سورية؛ صافيتا، وجبلة، وطرطوس، واللاذقية، والحسكة. بعد حصوله على الكفاءة بمعدّل جيّد جدّاً، التحق بـ"دار المعلمين" التي عمل مدرّساً فيها، قبل أن ينتقل للتدريس في دُور الزور. وبعد حصوله على "شهادة الثانوية العامّة" (البكالوريا) بمعدَّل ممتاز، ابتُعث إلى روسيا؛ حيث تخصّص في اللغة والأدب الروسيَّين، وتمكّن من التحصّل على إجازة فيهما من "جامعة لومانوسيف" بموسكو (1964). كما شفع تلك الإجازة بدبلوم آخر، حملت أطروحته عنوان "صورة المرأة في أعمال الروائيِّين الروس في القرن التاسع عشر"، ليشكّل هذا العمل العتبةَ الأُولى له في الدخول إلى عالم النقد الأدبي من باب التخصّص الأكاديمي.
ورغم أنّ تلك المرحلة من اشتغالاته كانت أدواتُها محصورة بالمِخبر النقدي الروسي السائد في جامعات الاتحاد السوفييتي أواسط القرن الماضي، إلّا أنّ ذلك لم يمنعه من انتظار شيء من هذه التجارب على الصعيد النظري، مراهناً على التراكُم وعلى الذهاب بالتجارب إلى أقصاها.
هكذا، تابع صاحب "في اللغة والتفكير" خُطّته الدراسية في مرحلة الدكتوراه التي تحصّل عليها عام 1972، عن أطروحته التي حملت عنوان "تصنيف الأدب الروسي في القرن التاسع عشر في أعمال الديمقراطيين الروس"، وهو العمل الذي كشف عن صوتٍ في المنهج يجمعُ التأريخ من جهة، وتأثيرات السياسة والأيديولوجيا على الأدب من جهة ثانية.
مساهمتُه النظرية تلك مكّنته بعد أن عاد إلى سورية من أن يُقدّم مادةً تنتظر مساحة تطبيقية رحبة لتشتبكَ معها، وتكشف عن نفسها من خلال تمثيلات من واقع الأدب السوري. إلّا أنّ واقع الحياة السياسية في البلاد لم يكن يسمح بأكثر من التوجّه صوب العمل الجامعي والاكتفاء به، لذا يُمكن القول إن مجهودات المرعي حُرمت من أن تجد تطبيقاتها على الأدب السوري، فالقاعدة السياسية التي تحكم البلاد كانت أقسى وأصعب من قاعدة الناقد النظرية.
ارتبط اسم الراحل باسم "جامعة حلب" التي عمل أستاذاً في علم الجمال والنقد والأدب الحديث والعالمي في قسم اللغة العربية بكلّية الآداب والعلوم الإنساني فيها، وهذا ما عاد على هذه الجامعة بالتميّز، حيث استطاع فيها النجاة من قدر الوظيفة والموظّفين الإداريّين. وفي هذه المرحلة قدّم أبرز اشتغالاته في التأليف منها: "المدخل إلى علم الأدب " (1978)، و"المدخل إلى الآداب الأوروبية" (1980)، و"مقدّمة في نظرية الأدب" (1980)، و"في تاريخ الأدب الحديث: الرواية، المسرحية، القصّة" (1982)، و"مبادئ النقد ونظرية الأدب" (1990)، و"النقد الأدبي الحديث" (1995)، و"الوعي الجمالي عند العرب قبل الاسلام" (1989).
ومن إصداراته في مرحلة لاحقة: "محاضرات في الآداب العالمية" (2004)، و"دراسات في الحضارة العربية الإسلامية" (2006)، و"نظرية الشعر في النقد الأوروبي القديم" (2007)، و"بحوث نظرية في الأدب والفن" (2008)، و"محاضرات في الأدب المقارن" (2009)، و"في اللغة والتفكير" (2010)، وجبران خليل جبران" (2012)، و"محطّات في حياة ميخائيل نعيمة" (2013).
أمّا ترجماته عن الروسية، فكانت غزيرة وتتألّف من عشرات العناوين، منها: "الممارسة النقدية" لـ فيسارون بيلنسكي (1982)، و"كتاب الرسائل" لـ ميخائيل شيشكين (2005)، و"التوازن الاستراتيجي المفقود في القرن الحادي والعشرين" لـ ألكسندر بانارين (2006)، و"الصيّاد يظهر فجأة" (2021) لـ يوليا ياكوفليفا.