ينتمي الفنان التشكيلي التونسي لطفي الأرناؤوط (1944 – 2023) الذي رحل أمس السبت في تونس العاصمة إلى جيل الستينيات الذي تأثر كثير منهم بالتراث الإسلامي ضمن توجهات متعددة نزعت إلى اكتشاف خصائصه الفنية، في سياق تيار التّجريد بتنويعاته المختلفة.
ولد الراحل في مدينة تونس، ودرس في "المعهد الصادقي"، حيث تخصّص في الفلسفة، ثم نال شهادة الدراسات المعمقة من "المعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعمارية والتعمير" قبل أن يسافر إلى فرنسا ويتخرج من "المدرسة العليا للفنون الجميلة" في باريس.
برز الأرناؤوط ضمن "مجموعة الستة" التي تأسّست عام 1963، حيث أقدم الفنّان نجيب بلخوجة (1933-2009)، أحد أهمّ روّاد التّأسيس للمنحى التجريدي في الفنّ التشكيلي بتونس، على بعث المجموعة التي ضمّت أسماءً عديدة إلى جانب الأرناؤوط، مثل الصّادق قمش ونجا المهداوي وآخرين.
راوحت المجموعة بين توظيف فنون وحِرف الحضارة العربيّة الإسلاميّة من جهة، وبين خصوصّيات المدوّنة التّشكيليّة الغربيّة من جهة ثانية، لتتميّز تجارب أعضائها بخصوصيّة وبنفَس معاصر ومُبتكر، عبّرت عنه نماذجهم التّصويرية التي احتفت بجماليّة هندسيّة مميّزة.
تأثّر الأرناؤوط بتكوينات الرّقش العربي، أحد نماذج التزيين المعقدة الذي يحوي زخارف متقاطعة ومتداخلة، تمثلها أشكال هندسية نباتية، وهو يميز الفن العربي الذي ظهر في العمارة الإسلامية منذ القرن الثامن الميلادي، حيث ظهرت في أعماله الأطباق النّجميّة ميزة بنائيّة أساسيّة.
وفي أطروحة الدكتوراه التي وضعها الباحث منذر المطيبع بعنوان "المقوّمات الجماليّة والفكريّة للتّجريد الهندسي من خلال نماذج من الفن العربي المعاصر" (2008)، يشير إلى أن التكوين الشّبكي المبني على الشّكل المربّع الذي تكرّر في أعمال الأرناؤوط لم يخلُ من ذلك "المنحى التّوليدي الذي اجتاح فيه الشّكل المثمّن الفضاء التّصويري، وتجاوبت فيه أفعال الإزاحة أو الدوران أو التراكب وغيرها، لمعايير حسابيّة ورياضيّة ومقاسات دقيقة ومضبوطة".
ويضيف المطيبع أنها "تجربة سايرت في منهجها التّشكيلي قواعد الفن العربي الإسلامي وأساليبه، وحاولت أن تتجاوزه في كيفيّة حضورها الشكلي واللوني والضّوئي الذّي حاول خرق النّظام المعهود. هو توجّه ذاتيّ تحكّم فيه الفنان في اختياره للألوان وكيفيّة توزيعه لها، ولعبه على الفوارق الضوئيّة التي أضفت على أعماله نفَساً جديداً"، حيث يقول الأرناؤوط في حديثه عن أعماله: "إنّ أعمالي التّصويرية نادرة لأنّها مزروعة بالثّقاب، ثقاب ذات أشكال مُضلّعة يمرّ من خلالها ضوء النّهار، ومن خلالها نُدرك النهار".
يُذكر أن لطفي الأرناؤوط أقام معرضه الشخصي الأول في "المعهد الثقافي الإيطالي" بتونس العاصمة سنة 1965، وشارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية في إيطاليا وفرنسا والسنغال وبلجكيا، وكان عضواً مؤسساً لـ"اتحاد الوطني للفنون التشكيلية" في تونس عام 1968.