في لقاء تلفزيوني أُجري معها قبل أعوام، تحدّثتِ الشاعرة والمناضلة الفلسطينية مي الصايغ (1940 - 2023)، التي رحلت عن عالمنا مساء اليوم الأحد في عمّان، عن العلاقة القوية التي جمعت فيها بين الانتماء للثورة الفلسطينية والانخراط في صفوفها من باب الإيمان بأن قضية المرأة جزءٌ من قضية فلسطين وحريتها، وبين التعبير عن ذلك من خلال لغة الأدب شعراً ورواية، كون هذان الفنَّين هما تأصيلٌ حقيقي لمَعنى الحياة قبل أي شيء آخر.
ولدت الراحلة في مدينة غزة عام 1941، ونشأت في عائلة مثقفة فلوالدها نشاطٌ سياسي في مقاومة الاحتلال الإنكليزي، وأمها كاتبة وهي من دعمتها في بداياتها الشعرية. تدرّجت الصايغ في تحصيلها الدراسي ضمن مدارس غزة حتى أنهت مرحلتها الثانوية في "مدرسة الزهراء"، قبل أن تلتحق بكلية الآداب في "جامعة القاهرة" لدراسة الفلسفة وعلم الاجتماع .
وفي تلك المرحلة بدأت بكتابة الشعر بشكل جدّي، ونشرت الصحف القاهرية لها عدة قصائد، ثم راح اسمها يُقرأ على صفحات مجلات عربية أوسع انتشاراً مثل "الآداب" اللبنانية، و"أقلام" العراقية، وكذلك مجلة "فلسطين الثورة" التي ستحتضنها لتعمل لاحقاً في مجلس تحريرها، ومجلة "الكرمل"، وغيرها.
عام 1968 كان مفصلياً في حياتها السياسية، حيث التحقت بحركة فتح التي كانت متمركزةً في الأردن، قبل أن تضطر للانتقال (بسبب أحداث "أيلول الأسود")، إلى لبنان في مطالع السبعينيات، وهناك صقلت تجربتها النضالية والنسوية حيث أصبحت عضوةً في المجلس الثوري للحركة، وأمينة "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" من عام 1971 حتى 1986، وخلال هذه السنوات ورغم انغماسها في العمل السياسي، إلّا أنها ظلّت تمارس كتابة الأدب.
عايشت صاحبة "عن الدموع والفرح الآتي" (1975)، مراحل خطيرة من عمر النضال الفلسطيني، خاصة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، والمواجهة المصيرية التي مثّلتها قوى المقاومة الفلسطينية في ظلّ الاجتياح الإسرائيلي وتآمر الميليشيات الطائفية المحلّية عام 1982، وما تلا هذه المواجهة من تجربة المنفى والعودة إلى الشتات من جديد.
للراحلة مجموعات شعرية، هي: "إكليل الشوك" (1968)، و"قصائد منقوشة على مسلّة الأشرفية" (1971/باشتراك مع آخرين)، و"قصائد حب لاسم مُطارد" (1974)، و"عن الدموع والفرح الآتي" (1975)، و"ليت هنداً لم تعد" (2014). ولئن حاول القارئ أن يبحث عنها فلن يجد الكثير على شبكة الانترنت. مقاطع قليلة للغاية، شارك أحدها على صفحته الشاعر المصري زين العابدين فؤاد، تقول فيه:
"هي الأرض حطّت عصاها
وكفّـت رحيلا
تكذّب وعد إله عبوس
وتعطي سهولا
هي الأرض ماكان ربُّ السّماءِ بخيلا
فمن يغفر الآن للساجدين سجود المهانة
غير الحجر
وطيّارةٍ من ورق".
لم تعتبر الراحلة كتابتها للرواية ارتحالاً من الشعر إلى السرد، إنما وضعت كلّ فن منهما ضمن شرطه الإبداعي، فبينما نظرت إلى الشعر بوصفه التقاطة تصويرية سريعة للكينونة الإنسانية، اعتبرت على الطرف المُقابل أنّ بالرواية تُفسّر الأحداث الكبرى وتُفرد لها مساحة أكبر.
ولمّا كان لسنوات الحصار الإسرائيلي لبيروت وقعها على سيرتها، فإنّ اتجاهها للكتابة عن تلك السنوات كان محمولاً بالكثير من المشاهدات، وبهذا فإن روايتها الأولى "الحصار" (1988)، هي عبارة عن سيرة ذاتية مأخوذة بتاريخ ثورة وبلد وشعب، وترجمة لكيفية رؤيتها للأدب ووظيفته الاجتماعية. أما روايتها الثانية "بانتظار القمر" (2001)، فالتفت من خلاله إلى التاريخ الفلسطيني المعاصر وزمن الثورة.
كذلك وقّعت خلال مسيرتها دراستين نقديتين تناولت فيهما وضع المرأة الفلسطينية، وهما: "دراسات حول المرأة"، و"المرأة العربية والفلسطينية"، وصدرا عام 1981.