روح العصر

01 نوفمبر 2024
فاطمة عرارجي/ مصر
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "روح العصر" كانت مصطلحًا نقديًا وسياسيًا بارزًا في الستينيات، حيث أثرت على الأدب العربي، خاصة في الرواية والشعر، من خلال التركيز على مدى ارتباط الكاتب بالعصر الحديث وتياراته الفكرية والسياسية.

- كتاب "الشعر العربي الحديث وروح العصر" لجليل كمال الدين، يبرز محاولات الشعراء مثل بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي لفهم العالم المعاصر والتفاعل معه، مما أدى إلى إنتاج أدبي ضخم يعكس قضايا الحرية والقمع.

- اليوم، الكتابة الروائية في العالم العربي تواجه تحديات جديدة، حيث تنقسم المجتمعات حول القيم، مما يؤدي إلى انقسامات في التعبير الأدبي، مع احتمال تدهور القيم العظيمة مثل الوطنية والمقاومة.

كانت عبارة "روح العصر"، وهي عبارة أو مصطلح نقدي وسياسي انتشر بقوّة في ستينيات القرن العشرين، مفتاحاً أو شرطاً أمام الإنسان العربي عموماً، والكاتب العربي خصوصاً، للدخول إلى عالمين من عوالم الأدب: الرواية والشعر من جهة، والنقد الموازي من جهة ثانية، وقلّما وجدنا ناقداً عربياً لم يستخدم هذه العبارة، أو مرادفاتها، في الكلام النقدي الذي كان يأخذ في الغالب أسلوب المحاسبة، إذ يتفحّص النقد مدى اقتراب أو ابتعاد الكاتب عن روح العصر.

وبينما كانت روح العصر تعني البطل الإيجابي في الماركسية، كانت روح العصر تعني الشخصية الباحثة عن الحرّية الشخصية لدى الوجودية، أو كانت تعني الشخصية العبثية التي لم تعد تجد في هذا العالم الذي تفتك به الحروب غير الفوضى وانتفاء المعنى من الحياة. ولعلّ كتاب جليل كمال الدين "الشعر العربي الحديث وروح العصر" هو الكتاب الأكثر صراحة في محاولة تفسير اقتراب الشعر العربي الحديث، من خلال أبرز الأسماء التي كانت تكتب الشعر، مثل: بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونزار قباني وغيرهم. 

في تلك المرحلة كانت روح العصر تشير، بصرف النظر عن الاتجاه، إلى الارتباط بالعالم المُعاصر، والتأثّر بما يجري فيه من تيارات فكرية وسياسية. كان العربي يتطلّع إلى العالم من حوله، ويحاول أن يفهمه، أو ينتمي إليه بوجهٍ ما من الوجوه.  

تهدّمت الكثير من القيم العظيمة في عالم عربي يضيق بنا وبنفسه

غير أنّ تغليب روح العصر، أو الغاية والهدف، أو الأحداث الكبرى، على المزايا الفّنية للرواية، أو الشعر، أفضى بنا إلى نوع من الكتابة تنتهي صلاحيتها بانتهاء المهام الموكلة إليها. ثمّة العشرات من الروايات والقصائد التي لم تعد تُقرأ اليوم. إذ إنّ الإحساس بالمسؤولية لدى الكاتب كان يتّجه نحو الموضوع: الشعب أو القضية أو الفكرة، لا نحو الشخصية والبنية وتقنيات الكتابة، وقد أفضى هذا الأمر بنا اليوم إلى إنتاج ضخم من الروايات شارك فيه مئات الكتّاب الذي أرادوا أن يقولوا كلمتهم في الثورة والقمع والحرية والسجون، ليوازي ذلك كمٌّ آخر من الكتابة الرديئة التي يمكن أن تدافع عن رجل القمع، أو شرطة السجون، أو أسلحة القتلة.

لم يتغيّر الكثير اليوم، فالملاحظ أنّ التدافع  للكتابة الروائية، إنما يكون الغرض منه "الدفاع عن القيم الخاصّة لا العامّة"، والمريع أنّ المجتمع العربي، وربما تكون سورية اليوم النموذج المناسب، ينقسم حيال تصنيف القيم انقساماً شاقولياً وأُفقياً. وبسبب هذا سوف تجد انقسامات في التعبير الروائي الذي يتشكّل من جماعات روائية، منها من يدافع عن ثورة، ومنها من يعتبر هذه الثورة بالذات إرهاباً. وكِلا الفريقين ينتمي إلى العالم نفسه، أي ذلك العالم الذي يعتبر أنّ الكتابة الروائية وظيفة تعبيرية، أو وسيلة لغاية، وأنّ الغاية هي المقدّس الذي يسعى الكاتب من أجل إثبات صحّته ونبله وشيمه العظيمة، وثمّة احتمال راجح للغاية اليوم، أن تذهب بعض الكتابات الروائية نحو مصير أكثر سوءاً، بعد أن تهدّمت الكثير من القيم العظيمة مثل الوطنية والمقاومة في الخِضمّ عديم الوجه لعالمنا العربي الذي يضيق بنا وبنفسه.

 

* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون