في كتابه "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار"، يقدّم المؤرّخ تقي الدين المقريزي (1364 - 1442 للميلاد) قراءةً معمّقة في أحوال القاهرة منذ تأسيسها على يد القائد الفاطمي جوهر الصقلّي عام 969 م وحتى أربعة قرون لاحقة، ويعدّ مرجعاً أساسياً في فهم تلك الحقبة التاريخية.
يفصّل الكتاب كيف تمّ تخطيط المدينة وتطوّرها العمراني وواقعها الديموغرافي خلال العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية، كما أنه لم يفوّت وصف الأوضاع السياسية والإدارية، وحال الأسواق والأسعار والتنظيمات الحرفية، إلى جانب التغيّرات المذهبية والفكرية والسياسية، وما رافقها من تحوّلات اجتماعية واقتصادية وعمرانية.
تنظّم "مكتبة الإسكندرية" معرضاً فنياً بعنوان "عابرة الأزمنة.. لوحات فنّية معاصرة في ضوء كتابات المقريزي" للفنانة سماح إمام، والذي يُفتَتح عند السادسة من مساء الأربعاء المقبل في "بيت السنّاري" بالعاصمة المصرية، ويتواصل حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
المعرض الذي يقام بالتعاون مع مبادرة "سيرة القاهرة"، يعكس سيرة مجموعة من الشخصيات التي أرّخ لها الكاتب المصري خلال القرن الخامس عشر، ومن بينها لوحة "جلنار حب الرمان" التي تصوّر السلطانة شجر الدر، وكذلك كلّ من السلطان عز الدين أيبك، وفارس الدين أقطاي الجمدار.
كما توثّق الفنانة التي تخرّجت من كلية الحقوق قبل توجّهها إلى دراسة الفن، عدداً من المعالم التاريخية التي يعود بناء أقدمها إلى القرن العاشر الميلادي، من القصور والمساجد والزوايا والتكايا التي تبرز التفاصيل المعمارية والزخارف والموتيفات الإسلامية.
وتلفت إمام في تقديمها المعرض إلى أن "كُتب التاريخ هى مرآة بصرية تستطيع من خلالها أن تحدّد ملامح لشخوص تقفز من بين السطور إلى مُخيلتك مباشرة فتشكّل الكلمات والأحرف صورة حيَّة، هذا ما نستطيع تفسيره بأن لكلّ شخصية تاريخية من العصور الوسطى ملامحها التي تشكّلت فى أذهاننا عبر المخيال، فماذا لو كنتَ تعيش فى العصر المملوكي؟ مَن مِن الشخصيات المملوكية كُنت تودّ أن تراها؟".
وتوضّح أن تساؤلاً أساسياً استندت إليه في بحثها النظري والبصري يتّصل بجدال مستمرّ حول المماليك، إن كانوا محتلين ظالمين أو منتمين إلى مصر والبلاد التي حكموها، ما دفعها للعودة إلى مجلد المقريزي، لتخلُص إلى أن القسوة التي تعرّضوا إليها حيث تم اختطافهم وهم أطفال ليصبحوا جنوداً مقاتلين، دفعتهم إلى تبنّي عقيدة البقاء للأقوى فمارسوا القتل والتنكيل ببعضهم بعضاً، لكنّ ولاءهم التام كان للمنطقة التي دافعوا عنها في وجه التتار والصليبيّين.
يُذكر أن "سيرة القاهرة" هي مبادرة شبابية مستقلّة تهدف إلى الحفاظ على الأماكن الأثرية وتوثيق الأحياء القاهرية والتعريف بها، ونشر الوعي الأثري والتاريخي بمدينة القاهرة من خلال الوسائط المتعدّدة.