سيظلّان خارج الصورة

30 نوفمبر 2020
بافل أنتيبوف/ روسيا
+ الخط -

حداثة

سيكون مجدياً
أن أبدأ
بمطالع تتحدث عن السهوب
عن الأنهار التي تهدر
والخراف التي تتقافز فرحة على سجادة العشب.


ليس من الحكمة
أن أشير إلى شبّاك بنت الجيران
أو إلى الشبح الذي ظل عالقاً هناك
ينتظر غيابها
بعد أن أغلق إخوتها بمهارة آثمة
الاحتمالات الخمسة للنجاة.
...
...

فيما تواصل أيها الشاعر
نحت الصورة
حيث الاسم كله
من حروف العلّة.

■ ■ ■

أريدُكِ أن تفهميني خطأ


أُريدُكِ أن تفهميني خطأ
خطأ فادح إذا اقتضت الحاجة.

من أجلكِ
تَركْتُ كُلَّ شيء:
الوظيفة التي ظننتُ أنها ستحمل فواتير القهر
نظرات الجارة المريرة التي نَسيتْ نافذتها مفتوحة ألف عام

أبي الذي ظلَّ جالساً عندما أخبرته عنكِ
وعن حقيبةِ الآراء التي تحملينها عن الإجهاض والعولمة والمولوتوف
وقال أشياء تبدو اليوم أكثر التباساً مما كانت.

كُلّ شيء:
العائلة الممتدة مثل نباتات عنيدة في غابة استوائية
خولة وأخواتها
حارة الفرن ساحة المهد بنات العم اللواتي نَسَجنَ من أدعياتٍ حارقة شوارعَ خضراء كي أمضي آمناً إلى الجامعة
الجبل الأخرس
كما أطلق عليه محمود قبل أن يسافر
ليموت في حادث قطار.
(هل كان عليك يا محمود أن تسافر لتموت هناك هكذا مبكراً قبل أن أتمكن من صياغةِ جملة عزاءٍ واحدة أمام ضريح طفولتنا البائسة).


أرجوكِ
افهميني خطأ
لأن كل ذلك كان صحيحاً.

■ ■ ■

وصية

لا تفكر كثيراً
بالأطروحات التي كُتبتْ حول
الكتلة
والبياض

ولا تقرأ كتاب سوزان برنار

اترك الأسماء التي اعتادت
أن تشرح على مدرجات الجامعة
هزيمة البنيوية

لا تعد الى خرائب مجلة "شعر"

اترك الأمر
للجسارة التي حرّرت الكلام
من القواميس الثقيلة.

اكتب فقط.

■ ■ ■

موسكو

المدينة التي تتنفس تحتَ سقف الواقعية الاشتراكية
أعطتني
في الثمانينيات
أفكاراً مباشرة عن التجريد

غير أني
كنتُ أرى التجريد
مثل جرو
يتوارى بخفةٍ في الزوايا المعتمة
قبل أنْ يُلقي عليه القبض
رجال الكي جي بي.

■ ■ ■

ليل

لا يبدو
أنَّ الليلَ سيتركُ معطفه
لأنَّ العتمةَ باهظةُ المعنى

والروح
مثل القنديل معلقة

والقلب
على أعتاب الخمسين
شف وتابْ

لا يبدو أن الليل
سيترك معطفه
خلف البابْ.

■ ■ ■

قلب

في الطريق إلى بيتكِ
قبلَ بدء الحوارات الساخنة
عن المبادئِ
والإخلاص

لا بد أن أترك القلب
حافياً
كي يتمرَّنَ
على صعودِ الدرجات
طعنة وراء طعنة
حتى يجفّ.

■ ■ ■

لاجئ

أنا لاجئ
بمخيّلة شحيحة
أحمل بطاقة تموين بدل الهوية القومية

مخيّلة تضيق يومياً
لأسباب كثيرة لا يمكن حصرها،
مثلاً
كلما قلّصت الأمم المتحدة حِصة الحليب الناشف
أو لأن الأولاد في البيت يواصلون النحيب
والمرأة التي أنجبتهم
تظل صامتة
مثل عقاب إلهي، كأنني سبب النكبة
الله، أيضاً، بقدرته التي لا يحدها شيء
أرسل علينا، على سبيل الاختبار،
ثلجاً هائلاً
(ليس علينا تماماً، بل على الخيام التي كنا فيها)
ثلجاً لم نره من قبل
لكننا لم نجدف
كنا نعرف قصة أيوب رغم المخيلة الشحيحة
إلا أن البعض
خرج في مظاهرات عفوية
لا أعرف ضد من، بالتحديد
خالتي، مثلاً، خرجت في المظاهرة
كانت قنابل تنفجر بالهتاف داخل فمها
وهي تشير بالسبابة نحو السماء.

بالأمس
صارت المخيلة أكثر فقراً
وجائعة
صارت تبكي،
مثل كلبة صغيرة ظلت تركض وراءنا من زكريا إلى جبل الدهيشة
كنتُ حاولتُ أن أقنعَ الكلبة الصغيرة بالعودة
إلى البرية
أو الذهاب شرقاً إلى البحر الميت
كنت أريدها أن تموت
دون أن أرى وجهها الحزين وعينيها البنيتين المنهكتين
مثل عيني مقاتل صغير
ظل متروكاً في الخندق قرناً كاملاً بانتظار ما لا يأتي
ولم يكتب عنه أحد مسرحية مثل غودو.

أنا لاجئ
لم يسألني المصورون الذين يواصلون التقاط الصور
كلما تحرك الدور أمامي عند مركز توزيع المؤن
عن أي شيء
فقط
جاؤوا وأطلقوا عدساتهم تجاه الصف الطويل الذي يتحرك ببطء أمام مركز التوزيع
ابتسموا كثيراً
كثيراً جداً
وحرّكوا رؤوسهم من الأعلى للأسفل ثم ذهبوا

لكني لسبب ما
سبب أظن أنه لا يحتاج إلى أية مخيّلة مدربة
توقعت أن تظلّ الصور التي التقطوها
بالأبيض والأسود

وأن الولد الذي يعيش في رام الله الآن
مع الكلبة الصغيرة الطائشة
سيظلّان خارج الصورة.

■ ■ ■

الشاعر

كأنها رسالة ثانية
تنزلتْ من السماء
بجندٍ
وملائكة
وناكرين.

تتهابط صلصالاً من بين يديه
اللغةُ العربية
الضمائرُ
حيث المثنى في مهابته

المفرداتُ
الحروفُ
الأفعالُ الناقصة
"قد"
وهي تدخل على فعلين ماضيين.

ليس هذا فحسب
جاء بالبادية
ومنظمة التحرير
ونساء لندن

والبنات اللواتي وقفنَ على درج البيت في بيروت
على أكتافهن أناشيد مدرسية وشارات حمراء


جاء بالذي لا يجيْ بل يؤتى

التواشيحُ تتكاسلُ في كل منعطف
ولا تجيء بالخاتمة.

 

*شاعر وكاتب فلسطيني من مواليد مخيّم الدهيشة في بيت لحم عام 1968. صدر له في الشعر: "حيث لا شجر" (1999)، و"الضحك متروك على المصاطب" (2003)، و"أن تكون صغيراً ولا تصدّق ذلك" (2007)، و"أندم كلّ مرّة" (2015)، و"شجار في السابعة صباحاً" (2017)، وفي الرواية: "العجوز يفكّر بأشياء صغيرة" (2012). والقصائد المنشورة هنا من مجموعة التي تصدر هذه الأيام بعنوان "أمر بسيط للغاية" عن دار "الأهلية".

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون