يكاد غيابُ المجلّات الثقافية في الجزائر يكون قاعدةً دائمة. أمّا الاستثناءاتُ فهي قليلةٌ ولا تستمرُّ طويلاً، حتّى وإنْ كان من يقف وراءها مؤسَّساتٌ رسمية. أقربُ الأمثلة مجلّةُ "ثقافات" التي أصدرَت "المؤسَّسة الوطنية للفنون المطبعية" عدداً تجريبياً منها في 2015 ثُمّ عدداً آخر يتيماً في 2017، و"انزياحات" التي أطلقَتها وزارة الثقافة في 2020، إلى جانب مجلّتَين أُخريَين، "لجدار" و"فنون"، ثُمّ توقّفت جميعُها بعد صدور بضعة أعداد منها.
هكذا، سيُثير كلُّ إطلاقٍ لمجلّة ثقافية جديدة اهتماماً إعلامياً واسعاً، وسيُنظَر إليه بوصفه حدثاً بارزاً في المشهد الثقافي، مِن دون اهتمامٍ، في الغالب، بطرْح السؤال الأهمّ: هل ستستمرّ؟ ولعلَّ هذا السؤال سيكون أكثرَ إلحاحاً حين يتعلَّق الأمرُ بصدور يومية متخصّصة في الشأن الثقافي؛ كما هو الأمر بالنسبة إلى صحيفة "الراهن" التي صدَر عددُها الأوَّلُ قبل أيام قليلة.
يقف خلف الصحيفة، التي صدَرت في ستّ عشرة صفحةً، الشاعرُ والأكاديميُّ الجزائري عاشور فنّي (مواليد سطيف 1957)، والذي يقول إنَّ فكرة إطلاقها جاءت مِن ملاحظته "اكتفاءَ وسائل الإعلام التقليدية بما هو رسميٌّ ومركزيٌّ ومألوف" في تناوُل الشأن الثقافي، مضيفاً، في حديث إلى "العربي الجديد": "هذه الوضعية لم تعد تُطاق. وهي تُبيّن أن هناك حاجة ماسّة إلى تغيير النظرة إلى الثقافة، وإلى الإعلام الثقافي. والصحيفةُ الجديدةٌ محاولةٌ في هذا الاتّجاه؛ إذْ نُركّز فيها على المعنى بدلاً مِن الإثارة، وعلى الفحص والتحرّي بدلاً مِن الفضائحية، وعلى النقاش والتحليل بدلاً من المغالطة والمجادلة التضليلية".
تمثّل الصحيفة الورقية استمراراً لتجربته في مجال النشر الإلكتروني
أصدر عاشور فنّي خمسَ مجموعاتٍ شعرية بالعربية: زهرة الدنيا (1994)، و"رجُلٌ من غبار" (2003)، و"الربيع الذي جاء قبل الأوان" (2004)، و"هنالك بين غيابين" (2007)، و"أخيراً أُحدّثكم عن سماواته" (2013)، وسادسةً بالفرنسية: "صيفٌ بين الأصابع"، إضافةً إلى مجموعةٍ من الترجمات والكُتب البحثية في مجال اقتصاديات الإعلام؛ التخصُّص الذي يُدرّسه في "جامعة الجزائر".
يُدير فنّي موقعَين إلكترونيَّين يهتمّان بالثقافة والفنون والاتصال. وتبدو الصحيفةُ الورقية استمراراً لتجربته تلك. لكن، لماذا فضّل أن تكون يوميةً وقد جرت العادة أن تصدُر الدوريات الثقافية بشكل فصلي أو شهري، أو أسبوعي كحدّ أقصى؟ يجُيب: "من خلال تجربتي الشخصية، لاحظتُ أنَّ الثقافةَ تبدو، في النشر الإلكتروني، وكأنّها جزءٌ مِن العالم الافتراضي لا صلة له بالواقع. وأعتقد أنَّ مجرَّد إطلاق جريدة يومية ثقافية من شأنه أن يُثير مسألةً جوهرية تتمثّل في ضرورة وضع الثقافة في المنظومة الإعلامية، وأن يلفت الانتباه إلى حجم العمل المطلوب من أجل ضمان تغذية نوعية ومستمرّة ومسؤولة للراهن الثقافي الذي اتّسع وتزايدت أبعاده، في حين ظلَّت قاصرةً النظرةُ الإعلامية، والسياسية أيضاً، إلى كلّ ما يمتّ بصلةٍ إلى الثقافة".
في مشهد إعلامي لا يهتمُّ كثيراً بالمادّة الثقافية، ويشهد إكراهاتٍ كثيرةً ترتبط بالتمويل، كان ضرورياً طرحُ سؤال: هل ستستمرّ "الراهن"؟ يُبدي عاشور فنّي تفاؤلاً وهو يُجيب بالقول: "صحيحٌ أنّ الكثير من المتعاملين في مجال الإعلانات يُفضّلون المواقع التي تجلب جمهوراً غفيراً، ولو كان ذلك على حساب الفكر والذوق. لكن، في المقابل، ثمّةَ مَن يُدرك البعد الاستراتيجي للثقافة ويدعم التوجُّه المهني للصحافة ويُسهم في بناء واقع بديل".