- أُقيمت ندوة تذكارية بالجامعة الأميركية في بيروت تحت عنوان "على خُطى السُّلطان"، حيث تم إطلاق كتاب يضم دراسات باللغتين العربية والإنكليزية تتبع منهجية أبو حسين، مع تسليط الضوء على إسهاماته العلمية والإنسانية.
- المتحدثون في الندوة استعرضوا أعمال أبو حسين الرائدة ومنهجه في فهم الصراعات الطائفية، وكيف أثر على الجيل الجديد من الباحثين، مؤكدين على أهمية إرثه العلمي والإنساني من خلال الكتاب "على خُطى السلطان".
حين رحل المؤرّخ الفلسطيني عبد الرحيم أبو حسين عن عالمنا، في صيف عام 2022، حضر سؤال مُلحّ: كيف يمكن للدراسات العثمانية على المستوى العربي أن تعوِّض هذا الغياب؟ فالأكاديمي الذي وُلد في بلدة نوبا (1951)، التابعة لمدينة الخليل، تَخصّص في هذا الحقل المعرفي وعُرِف باشتغالاته على التاريخ اللبناني خلال الحقبة العثمانية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقدّم في هذا السياق العديد من المؤلّفات.
لكنّ فقداً أكبر أخذ بالإفصاح عن نفسه، لا على المستوى الأكاديمي فحسب، بل الإنساني أيضاً، ذلك لاشتهار المعلّم بالقرب من تلامذته وزملائه الذين استذكروه عبر ندوة تذكاريّة انتظمت مساء أول من أمس الخميس في "الجامعة الأميركية" ببيروت، وهو المكان الذي درّس فيه لأكثر من أربعين عاماً. حملت الندوة عنوان "على خُطى السُّلطان" (In the Steps of the Sultan)، وهو عنوان الكتاب الذي أُطلق أيضاً في الندوة، ويتضمّن مجموعة دراسات باللغتين العربية والإنكليزية حول الحقبة العثمانية وغيرها، وتتوخّى منهجية "السُّلطان"، وهو اللقب الشائع لأبو حسين في الوسط الأكاديمي.
درَس تاريخ لبنان العثماني منتقداً تحوّل الأساطير إلى هويّات
تنوّعت المداخلات في الندوة التي امتدّت لساعتين وقدّمها ثلاثة متحدّثين رئيسيّين، هُم: مايكل بروفانس، وهيلين صدر، وسليمان مراد، إلى جانب مداخلات أُخرى لكلّ من رمزي بعلبكي، وشارل حايك، وعبد الرحمن شمس الدين، وسمير صيقلي، ونادية الشيخ، ومكرم رباح، وطارق تل، وأليكسيس ويك، وطارق أبو حسين، وبعضُهم مساهم في الكتاب، في حين تولّى تيسير الندوة الباحث بلال الأورفه لي.
وسواء كان المتحدّثون طلّاباً عملوا على أن تكون مادّتهم البحثية امتداداً لمدرسة أستاذهم، أو أكاديميّين اشتغلوا مع أبو حسين وعاشروه عن قرب، أو طلّاباً من الجيل الذي لم يتتلمذ مباشرة وطويلاً على يدَي صاحب "صناعة الأسطورة: حكاية التمرّد الطويل في جبل لبنان" (2019)، بل تعرّفوا عليه في أروقة الجامعة خلال سنواته الأخيرة فيها، فإنّ القاسم المشترك بينهم هو أنّ أبو حسين المعلّم والزميل عفويُّ الحضور كريمٌ وقريب.
تطرّقت المداخلات إلى الجهد الأكاديمي الذي قدّمه مؤلّف "لبنان والإمارة الدرزية في العهد العثماني: وثائق دفاتر المهمّة (1546 - 1711)" (2005)، وانفتاحه على الأرشيف العثماني مبكّراً في فترة لم يكن أمام الباحثين العرب، لظروف ذاتية وموضوعية، الكثير من السبل للاطّلاع والاشتغال على هذا المصدر، كما لفت المتحدّثون إلى استكماله منهج المُؤرّخ الراحل كمال الصليبي (1929 - 2011) الذي نظر إلى الصراع في لبنان بأبعاده الطائفية على أنه صراع على السردية المتخيَّلة، لا صراعاً على السُّلطة فحسب، وهذا ما ظلّ يُشعل فتيل الحرب في عدّة جولات خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
وبطبيعة الحال لم تكُن مداخلات الندوة على الغرار المتداول لجرد المنجزات الأكاديمية، بل سرعان ما حضرت روح أبو حسين المرحة بين ثنايا وتفاصيل المرويات والذكريات، في حين غصّ بعض المتحدّثين بذكرى وطيف "السلطان" الذي يحبّ "تينات" صيدا، واستذكر آخرون الأيّام الأخيرة التي قضاها وهو يُعالج من مرضه العضال، متسائلين: ألم يكن أبو حسين لبنانيّاً حقّاً - وإن لم يكن كذلك بالهوية - أكثر بكثير من صنّاع الأساطير الهوياتية وأصحاب القراءات الأُحادية الضيّقة للتاريخ ومعنى الانتماء؟
الجدير بالذِّكر أنّ كتاب "على خُطى السلطان: مقالات في تكريم عبد الرحيم أبو حسين" يقع في 500 صفحة، ويضمّ 22 دراسة لباحثِين لبنانيّين وعرب وأتراك وأجانب، موزّعة على أربعة فصول: "تركيا والإمبراطورية العثمانية"، و"سورية الكبرى"، و"التاريخ اللبناني"، و"أسئلة تاريخية"، بتحرير الباحثَين: بلال الأورفه لي وتايلور براند.